السبت، 19 ديسمبر 2015

هشام بكر يكتب متي يصبح الأورومو أحد أسلحة مصر في صراعها مع أثيوبيا حول سد النهضة ؟



إثيوبيا لديها 12 سدًا وتسعى لبناء أربعة سدود أخرى بخلاف سد النهضة ولابد أن نذكر أن كينيا لها تجربة أليمة سابقة مع إثيوبيا , حينما أقامت سد جيب على نهر اومو واقتطعت من حصتها من المياه , وتجاهل العالم استغاثات كينيا مما جعل إثيوبيا تظن أن العالم لن يبالي باستغاثات مصر .

 إن العرف الدولي يؤكد أن الاتفاقيات الدولية التاريخية ملزمة للدولة التي وقعت عليها وأي نقض لهذه الاتفاقيات لا يكون ملزمًا لأحد كما أنه لا يعفي الدولة الناقضة للاتفاقية من واجباتها تجاه الدول الموقعة على الاتفاقية ، وأن أحكام القانون الدولي كلها تؤكد أن مصر لها حق مكتسب في مياه النيل ، ويؤيد ذلك ما أقره معهد القانون الدولي عام 1961 بشأن مبدأ عدم المساس بالحقوق التاريخية المتوارثة في الموارد المائية وأيدته المادة 12 في اتفاقية فيينا للمعاهدات عام 1978 التي نصت على توارث الاتفاقيات الخاصة بالحدود ، مؤكدًا أنه من حق مصر اللجوء إلى المحكمة الدولية في حالة إصرار إثيوبيا على الإضرار بمصالح مصر المائية.
على أن الاتفاقيات السابقة والحقوق القانونية قد لا تكفي وحدها للتأكيد على حق مصر كما هو واضح من سلوك إثيوبيا الحالي ، مما يتطلب استراتيجية موحدة تتضمن حزمة من التوجهات ووسائل الضغط الدولي وآليات التعاون والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتقارب السياسي والدعم العسكري في آن واحد لتؤتي ثمارها في تحقيق الأهداف المرجوة .
وتتمثل التأثيرات السلبية للسدود الإثيوبية على مصر في جانبين رئيسيين هما السعة التخزينية للسد ، وفي كميات المياه التي يتم تحويلها للزراعات المروية ، السعة التخزينية للسد ستكون خصمًا من مخزون المياه أمام السد العالي الذي يستخدم لسد العجز المائي لإيراد النهر في السنوات منخفضة الإيراد ، وبالتالي سيظهر بعد إنشاء هذا السد بعض مظاهر الجفاف والعجز المائي في سنوات انخفاض إيراد النهر مشابهة للوضع قبل بناء السد العالي والمياه التي سوف تستخدم للري في إثيوبيا ستكون خصمًا مباشرًا من الإيراد السنوي للنهر إلى مصر .
وهناك عوامل ثانوية تأثيرها محدود نسبيًا مثل عدد سنوات ملء السدود ، وتأثيره فقط أثناء فترة الملء ، وعامل ثانوي أخر هو السياسة التشغيلية للسدود لمحاولة تقليل الأضرار على مصر ، ولكن من الصعب الاعتماد على سياسات تشغيلية لسدود على أراضي إثيوبية ، وتسليم رقبة مصر لإثيوبيا والقوى الدولية المساندة لها .

والسدود الإثيوبية الأربعة ( مابيل ، بيكو أبو ، مندايا ، كارادوبي ) حسب نتائج الدراسات المصرية سوف تتسبب في حدوث عجز مائي في حصة مصر بمتوسط سنوي مقداره 18 مليار متر مكعب سنويًا يتم اقتسامها مناصفة مع السودان حسب اتفاقية 1959 ، وسوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 25 – 30 % ، وسد النهضة وحده سيتسبب في عجز مائي مقداره 9 مليار متر مكعب في السنة ، وفي تخفيض كهرباء السد العالي وخزان أسوان في حدود 20– 25 % سنويًا.

كما أكدت الدراسات على الآثار السلبية الوخيمة للسدود الإثيوبية ، والوضع المائي لمصر صعب حيث تبلغ فيه الحصة المائية للفرد حوالي 625 متر مكعب سنويًا أي أقل من ثلثي حد الفقر المائي مما يؤدي إلى فجوة غذائية تبلغ 7 مليار دولار سنويًا كما أن النقص في إيراد النهر نتيجة لسد النهضة الإثيوبي سوف يؤدي إلى تبوير حوالي 2 مليون فدان من الأراضي الزراعية وعجز في مياه الشرب والصناعة نتيجة لانخفاض منسوب المياه في النيل والرياحات والترع ، وسوف تتأثر أيضًا الملاحة والسياحة النيلية نتيجة لانخفاض منسوب المياه في نهر النيل ، وسوف يقل إنتاج الطاقة الكهربائية المولدة من قناطر إسنا ونجع حمادي.

وسيؤدي نقص إيراد النهر إلى تدهور البيئة وازدياد معدلات التلوث وتهديد للثروة السمكية في البحيرات الشمالية بالإضافة إلى زيادة تداخل مياه البحر في الخزانات الجوفية الساحلية في شمال الدلتا ، ومن الآثار السلبية الإثيوبية أيضًا هو احتمال انهيارها أو انهيار واحد منها ، وما لذلك من آثار تدميرية على دولتي المصب وخاصة السودان وسديها الروصيرص و سنار على النيل الأزرق وغرق مدينة الخرطوم وعلى سلامة السد العالي وعلى منظومة الري المصرية .
إثيوبيا دولة تتسم بتعدد الجماعات إلى درجة أن موسوعة العالم الثالث ترى أنها تعد متحفًا أو معرضًا للجماعات الإثنية والتي تعرف بأنها ” جماعات اجتماعية تتميز بسماتها البيولوجية وخصائصها الثقافية خاصة اللغة والدين والقبلية عن غيرها من الجماعات الاجتماعية الأخرى داخل الدولة الواحدة ” ، حيث تحتوي على أكثر من 70 جماعة إثنية من أصول وديانات ولغات متباينة ، يشكل المسلمون نسبة 65 % من مجموع السكان والمسيحيون نسبة 35 % ، أما النسبة الباقية فتخص المعتقدات التقليدية .
إن ميليس زيناوي رئيس الوزراء السابق المنتمي لقبيلة التيجراي أراد أن يجعل لقبيلته دور مؤثر في الحكم وفي نفس الوقت اصطدم بالواقع وهو المشكلات الإثيوبية لذا كان يحاول الهروب من مشكلات إثيوبيا السياسية والاقتصادية الداخلية إلى الأمام ، بافتعال أزمة خارجية مع مصر ، عن طريق استثمار ملف الأزمة المائية وتأكيد قدرة إثيوبيا على مساعدة إسرائيل في تحقيق حلمها باقتناص حصة من مياه النيل ، ولعل في زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي ، أفيجدور ليبرمان ، لإثيوبيا ودول منابع النيل في سبتمبر 2009 ما يؤكد صحة هذا الاستنتاج ، خاصة أنها كانت الزيارة الأولى لوزير خارجية إسرائيلي لإثيوبيا منذ أكثر من عشرين عامًا.
وقد نجح في تحويل قضية سد النهضة إلى مشروع قومي يلتف حوله الشعب الإثيوبي ، وإيهام الشعب الإثيوبي أن معارضة مصر للمشروع تنبع من أنها لا تريد حدوث تنمية وتقدم اقتصادي في إثيوبيا نظرًا لاستحواذها ، بغير وجه حق في رأيه ، على الجزء الأكبر من المياه اللازمة لعمليات التنمية كافة وهي صورة يتوجب تغييرها وتصحيحها.


  الأورومو سلاحا إستراتيجيا لمصر                                                        
الدين الإسلامي هو أكبر دين في أثيوبيا وهذا ينفي عن أثيوبيا أنها دولة مسيحية قحة  لكن ما علاقة الإسلام بالأورومو ؟وكيف يمكن أن يحمل الأورومو سلاحا إستراتيجيا لمصر ؟ كيف تخدم الظروف مصر؟
الأورومو وهم كما سبق الاشارة أكبر قومية أثيوبية ، ويشكل المسلمين الغالبية الكاسحة منها - نلحظ ذلك من النسب بشكل كبير - ، الا أن الأورومو علي الرغم من نسبتهم المرتفعة في المجتمع الاثيوبي يتعرضون للاضطهاد ، أضطهاد يتمثل في أعتقال دون محاكمات ، عمليات تعذيب شديدة القسوة ، بل وعمليات أعدام دون أصدار أحكام قضائية . منظمة العفو الدولية لها الكثير من التقارير التي تتحدث عن هذا الاضطهاد بشكل تفصيلي وموثق ، كان أخر تقرير أصدرته المنظمة في نهاية أكتوبر العام الماضي وحمل أرقام مخيفة منها أكثر من خمسة آلاف من الأورومو تم أعتقالهم بين عامي 2011 : 2014 ، وأن هناك أعداد من هذه القومية لم تجد أمامها حلا سوي الفرار لدول الجوار ومنها كينيا وأوغندا والصومال ، وهنا العامل الاول فنحن نتحدث عن قومية مضطهدة تتعرض لأبشع أنواع التعذيب والأضطهاد ، بشكل عام تشير التقديرات الي وجود حوالي 20 ألف من المعتقلين في سجون الحكومة.

وهذا الاضطهاد ليس وليد اليوم ، بل يرجع الي الاباطرة ومن أبرزهم " منليك الثاني " والذين قادو الأثنية " الامهرية " بين عامي 1868 : 1900 في حرب بشعة أستخدموا فيها مستشارين أوروبيين وأسلحة حديثة علي نطاق واسع ، ضد الأورومو الذين لم يمتلكوا سوي الرماح والسيوف ، ونتيجة للتكتيكات الوحشية المتبعة عرفت تلك الفترة أحدي أبشع المجازر في التاريخ  فمن بين 10 مليون نسمة كانوا يشكلون كل القومية وقتها ، قتل خلال تلك الفترة أكثر من نصفهم ، أي أكثر من 5 مليون فرد ، كان الرجال تقطع رؤوسهم ، وكانت النثاء تقطع صدورهن  ثم جاء مئات الالاف من المستوطنين ، ومعهم العديد من الشركات الاجنبية ليستوطنوا أرض هولاء القتلي ويعيشون فيها وزاد هذا الامر تحديدا في عهد الامبراطور هيلا سيلاسي والذي تولي السلطة عام 1930 وظل فيها طويلا لعقود.

العامل الثاني أنه ومع الأضطهاد الذي تتعرض له تلك القومية ، فهي قومية تري نفسها أختلافا عن باقي مكونات أثيوبيا ، ويبرز ذلك بشكل كبير في جزئية "اللغة" ، فقومية الأورومو لها لغتها الخاصة بها وهي " الأورومية " ومع كونهم أكبر أثنية في أثيوبيا ، الا أن الحكومة الاثيوبية لاتعترف بلغتهم ، وتعمل باللغة "الأمهرية" كلغة رسمية للبلاد ، وهي لغة الاثنية الأمهرية ، ثاني أكبر أثنية في أثيوبيا وهي التي تحكم أثيوبيا وتقوم بكل عمليات الاضطهاد والترويع بحق الأورومو ومع ذلك لاتزال قومية الأورومو تتمسك بلغتها وتستخدمها حتي في أحاديثهم العادية وحياتهم اليومية.
العامل الثالث - ويرتبط ارتباطا وثيقا بالعامل الثاني بل يعتبر نتيجة له - يتمثل ذلك العامل في أنه نتيجة لفخر الاثنية الأورومية بنفسها ، ولنسبة المسلمين المرتفعة جدا بين أبنائها ، وفي نفس الوقت نتيجة للاضطهاد - الاضطهاد لايتوقف فقط عند التعذيب البدني والاعتقال وعمليات الاعدام ، اذ تعاني بجانب ذلك الي تهميش أقتصادي وتنموي اذ يعيش حوالي 80 % من أبنائها تحت خط الفقر - الذي تعانيه تري هذه القومية أن من حقها " الانفصال " وتكوين دولتها المستقلة ، ومن هنا خرج للنور " جبهة تحرير أورومو " الحركة المسلحة التي تسعي لتحقيق ذلك الهدف.

جبهة تحرير أورومو
جبهة تحرير أورومو تهدف الي الحصول علي " حق تقرير المصير " لكي يقرر أبناء قوميتهم الانفصال عن أثيوبيا ، وذلك منذ العام 1973 حيث بدأت نضالها المسلح للدفاع عن نفسها وعن قوميتها ضد الحكومات الاثيوبية المتعاقبة ، بعد أن شهدت أثيوبيا قبل انشائها وتحديدا في عقد الستينيات أنتفاضات لقومية الأورومو وتعاملت معها الحكومة الامهرية كعادتها بعنف شديد اذ قدر عدد القتلي وقتها بنصف مليون فرد ، كما لم يكن للاطاحة بحكم الاباطرة وتغيير نظام الحكم في أثيوبيا عام 1974 أي تأثير يذكر ، وعلي الجانب الاخير لدينا أيضا " حركة أورومو الديمقراطية الفيدرالية " وهي حركة سلمية قامت بانشاء حزب تابع لها ، ومع ذلك لم يسلم أعضائها - ومنهم أساتذة بالجامعات - من شر الحكومة الاثيوبية والتي أعتقلت الكثير منهم بتهمة الارهاب.
وبمراجعة الادوات التي تم ذكرها سابقا في الجزء الاول من الدراسة نجد أننا يجب علينا العمل مع قومية الثلاثين مليون الاثيوبية والتي تقع جغرافيا جنوب وأيضا بالقرب تماما من منابع النيل كالتالي
الاداة الاولي : تخصيص الجزء الاكبر من أي مبالغ مالية ستقوم مصر بتخصيصها لإنشاء مشاريع داخل أثيوبيا لهذه القومية لرفع مستواها الاقتصادي ورفع الفقر عن أبنائها و التعامل معها لدعمها ضد أضطهاد الحكومية الأثيوبية لها.
الاداة الثانية : أنشاء مدارس أزهرية -بالنظر لكون الغالبية الكاسحة منهم من المسلمين - أن أمكن يتم أنشاء جامعة مصرية - في تلك المنطقة ، والتركيز علي المدارس الازهرية لتحقيق الترابط الثقافي والنفسي بينهم وبين مصر الي أقصي درجة ممكنة.
الاداة الثالثة : توفير منح دراسية للمتفوقين في هذه المدارس للدراسة في مصر.
الاداة الرابعة : ولايتم أستخدامها الا في حالة الضرورة القصوي وتطور الامور الي مرحلة تأثير السد فعليا علي حصة مصر من المياة وتتمثل في الدعم العسكري والمالي لجبهة تحرير أورومو ، والتحرك دوليا في الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لاثارة القضية أمام العالم.
الأورومو يريدون أن يستعيدوا مجددا حكمهم لانفسهم ، ومصر تريد ان تضمن تدفق مياة النيل بمعدلاتها المعتادة والطبيعية والحقة ، ويمكن أن تتشابك مصالحنا معا ، يمكن ان يكون لنا حلفاء في أثيوبيا ، ففكرة أن يعود الأورومو لحكم أنفسهم بأنفسهم كما كانوا طوال فترة طويلة من تاريخهم أمتدت لقرون لاتزال مستعرة ، ولاتزال أثنية " الامهرية " تحكم أثيوبيا منذ القرن التاسع عشر وهي تري لنفسها الحق في ذلك باعتبارها الوريث الشرعي للامبراطورية الاثيوبية المسيحية الكبري ، وبالتالي لايزال الكارت ينادي مصر لكي تمسك به.

ليست هناك تعليقات: