ربَّما يظنُّ البعض أنَّ الإخوان المسلمين أصحاب منهج دعوي لا علاقة له بمقارعة الحكومات ولا مطمع له في الحكم، وأنَّه لم يكن شيءٌ من هذا الفكر الذي يقارع الحكومات في أدبيات حسن البنَّا مؤسِّس التَّنظيم الإخواني.
ولا شكَّ أنَّ هذا التَّحليل بعيدٌ تمامًا عن الواقع، ومخالفٌ بالكلية للحقائق الجليَّة، ومناقضٌ للسِّرِّ الذي من أجله أنشأ حسن البنا تنظيمه ومشى عليه.
- حلم حسن البنا بإقامة دولة كبرى على أسس إخوانية:
لقد كان حلم حسن البنا هو إقامة دولة على أسس إخوانية، كان هذا هو هدفه الأوَّل والأساس، وكلُّ جهدٍ دون هذا فهو في نظره جهدٌ ناقص.
يقول حسن البنا:”لا قيمة لقول الخطيب كل جمعة على المنبر:{يا أيها الذين آمنوا إنَّما الخمر والمسير والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشَّيطان فاجتنبوه لعلَّكم تفلحون}(المائدة:90) في الوقت الذي يجيز فيه القانون السكر وتحمي الشرطة السكيرين وتقودهم إلي بيوتهم آمنين مطمئنين، ولهذا كانت تعاليم القرآن لا تنفك عن سطوة السلطان، ولهذا كانت السياسة جزءًا من الدين، وكان من واجبات المسلم أن يعنى بعلاج الناحية الحكومية كما يعنى بعلاج الناحية الروحية” (مجموعة الرسائل)ص162.
فالتغيير الحقيقي في نظر البنا إنَّما هو عن طريق سطوة السلطان، ولعلَّ هذا انطلاقًا من الشعار الذي ذكره: (القوَّة أضمن طريق لإحقاق الحق) (مجموعة الرسائل)ص279.
ولم يكن حلم البنا مقصورًا على إقامة دولة في حدود جغرافية معيَّنة، بل كان هدفه إقامة خلافة كبرى عامَّة.
يقول حسن البنا:”الإخوان يعتقدون أنَّ الخلافة رمز الوحدة الإسلامية, ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام, وإنها شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكر في أمرها والاهتمام بشأنها … والإخوان المسلمون لهذا يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم” (مجموعة الرسائل)ص144.
ويقول أيضًا:”ونريد بعد ذلك الحكومة المسلمة التي تقود هدا الشعب إلى المسجد … ونريد بعد ذلك أن نضم إلينا كل جزء من وطننا الإسلامي الذي فرقته السياسة الغربية وأضاعت وحدته المطامع الأوروبية” (مجموعة الرسائل)ص177.
ومن هنا فقد كرَّس حسن البنَّا كلَّ جهده في سبيل الوصول إلى غايته الأساس وهي إقامة دولة على المبادئ الإخوانية ومن ثم خلافة إخوانية كبرى، من أجل هذا الهدف أسَّس البنا تنظيم الإخوان المسلمين، ووضع قواعد عديدة تنصبُّ في خدمة أطماعه السياسية.
- البحث عن قوة شعبية من أجل الصُّعود السياسي:
كان لا بدَّ أوَّلاً – في نظر البنا – لتحقيق الصعود السياسي من تكوين قوة شعبية يمكن الاستناد عليها، فمن دون هذه القاعدة يصعب الصعود والوصول.
يقول حسن البنا:”كلُّ دعوة لا بدَّ لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخير الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج … ولكن لاشك في أن الغاية الأخيرة أو النتيجة الكاملة لا تظهر إلا بعد عموم الدعاية وكثرة الأنصار، ومتانة التكوين” (مجموعة الرسائل)ص125و126).
ومن هنا وفي سبيل تكوين هذه القوة الشعبية التي يمكن أن يستند عليها التنظيم في تحقيق أطماعه السياسيَّة بإقامة مظاهرات أو غيرها وظَّف حسن البنا عدَّة قضايا، أراد من خلالها إطلاق موجة تجنيد واسعة لفرض التنظيم الإخواني على أكبر قطاع جماهيري ممكن، ويظهر بوضوح من خلال هذه القضايا التي وظَّفها البنَّا أنَّه أراد تحوير الشخصية المسلمة لتكون شخصية سياسية مهيئة لتحقيق المآرب السياسية للتَّنظيم الإخواني.
ومن القواعد التي وظَّفها حسن البنَّا من أجل تجنيد المجتمع للتنظيم الإخواني:
القاعدة الأولى: لا يتم إسلام مسلم إلاَّ إذا كان سياسيًّا:
يقول حسن البنَّا:”أستطيع أن أجهر في صراحة بأنَّ المسلم لن يتمَّ إسلامه إلاَّ إذا كان سياسيًّا، يعيد النظر في شؤون أمته، مهتمًّا بها غيورًا عليها … وأنَّ على كلِّ جمعيَّة إسلاميَّة أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمَّتها السياسية وإلاَّ كانت تحتاج هي نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام” (مجموعة الرسائل)ص159.
ففَرَض حسن البنَّا على كلِّ مسلم أن يكون سياسيًّا، وأنَّه لن يتمَّ إسلامه إلاَّ بذلك، وفرض على كلِّ جمعية تتكلم في شؤون الإسلام أن تجعل الاهتمام بالسياسة رأس أولويتها وإلاَّ كانت جاهلة بمعنى الإسلام.
القاعدة الثَّانية: تأثيم المسلمين جميعًا ما لم تقم الدولة التي ينشدها البنا:
يقول حسن البنا:”اذكروا دائمًا أنَّ لكم هدفين أساسيين:
1 – أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكل إنسان ، لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد قاهر.
2 – أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس، وما لم تقم هذه الدولة فإن المسلمين جميعًا آثمون مسؤولون بين يدي الله العلي الكبير عن تقصيرهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادهم …
نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيل وفي بلاد العروبة وفي كل أرض أسعدها الله بعقيدة الإسلام: دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع المسلمين” (مجموعة الرسائل)ص107.
فحَكَم حسن البنا على المسلمين قاطبةً بالإثم والوزر ما لم تقم الدولة الإسلامة الحرة التي يطمح إليها.
القاعدة الثَّالثة: تصوير الفكر الإخواني على أنه الفهم الصحيح للإسلام:
يقول حسن البنا في توضيح الركن الأوَّل من أركان البيعة:”إنما أريد بالفهم: أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صميمة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه, في حدود هذه الأصول العشرين الموجزة كل الإيجاز” (مجموعة الرسائل)ص356.
ويقول أيضًا:”نحن مؤمنون بأنَّ دعوتنا عامة محيطة لا تغادر جزءًا صالحًا من أية دعوة إلا ألمت به وأشارته إليه” (مجموعة الرسائل)ص19.
ويقول أيضًا:”على أن التجارب في الماضي والحاضر قد أثبتت أنه لا خير إلا طريقكم، ولا إنتاج إلا مع خطتكم، ولا صواب إلا فيما تعملون” (مجموعة الرسائل)ص127.
ويقول أيضًا:”هذه نظرات يرى الإخوان المسلمون أنَّ واجبهم الإسلامي أوَّلاً والوطني ثانيًا والإنساني ثالثًا يفرض عليهم فرضًا لا مناص منه أن يجهروا بها، وأن يعرضوها على الناس، في إيمان عميق وبرهان وثيق, معتقدين أن تحقيقها هو السبيل الوحيد لتدعيم النهضة على أفضل القواعد والأصول” (مجموعة الرسائل)ص168و169.
ويقول أيضًا:”واذكروا جيدًا أيها الإخوان أن الله قد من عليكم، ففهمتم الإسلام فهمًا نقيًّا صافيًا، سهلاً شاملاً، كافيًا ووافيًا، يساير العصور ويفي بحاجات الأمم، ويجلب السعادة للناس، بعيدًا عن جمود الجامدين وتحلل الإباحيين وتعقيد المتفلسفين، لا غلو فيه ولا تفريط، مستمدًّا من كتاب الله وسنة رسوله وسيرة السلف الصالحين استمدادًا منطبقًا منصفًا، بقلب المؤمن الصادق، وعقل الرياضي الدقيق، وعرفتموه على وجهه: عقيدة وعبادة، ووطن وجنس، وخلق ومادة، وسماحة وقوة، وثقافة وقانون، واعتقدتموه علي حقيقته: دين ودولة، وحكومة وأمة، ومصحف وسيف، وخلافة من الله للمسلمين في أمم الأرض أجمعين” (مجموعة الرسائل)ص202.
القاعدة الرَّابعة: استغلال ما أمكن من وسائل الدعاية لنشر الفكر الإخواني:
يقول حسن البنا:”أما الآن (أي: وسائل الدعاية) فنشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح وخيالات وحاك ومذياع, وقد ذلل ذلك كله سبل الوصول إلى قلوب الناس جميعهم, نساء ورجالا، في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم، لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة” (مجموعة الرسائل)ص17.
ويقول أيضًا:”بدأنا بالدعوة فوجهناها إلى الأمة في دروس متتالية وفي رحلات متلاحقة وفي مطبوعات كثيرة وفي حفلات عامة وخاصة، وفي جريدة الإخوان المسلمين الأولى ثم في مجلة النذير الأسبوعية، ولا زلنا ندعو، وسنظل كذلك، حتى لا يكون هناك فرد واحد لم تصله دعوة الإخوان المسلمين على حقيقتها الناصعة، وعلى وجهها الصحيح” (مجموعة الرسائل)ص126.
ويقول أيضًا:”ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يسمع صوتنا في كل مكان، وأن تتيسر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألو في ذلك جهدًا ولا نترك وسيلة” (مجموعة الرسائل)ص177.
القاعدة الخامسة: تطويع المجنَّدين لتحقيق المآرب السياسيَّة الإخوانية بفرض الطَّاعة عليهم:
يقول حسن البنا:”وثالثها (أي: من الأركان التي تدور عليها فكر الإخوان): القيادة الحازمة الموثوق بها: وقد وجدها الإخوان المسلمون كذلك، فهم لها مطيعون وتحت لوائها يعملون” (مجموعة الرسائل)ص30.
ويقول للأتباع:”اسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر والمنشط والمكره، فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فيما بينكم” (مجموعة الرسائل)ص111.
ويقول:”ونظام الدعوة في هذه المرحلة (أي: في مرحلة التكوين) صوفي بحت من الناحية الروحية, وعسكري بحت من الناحية العملية, وشعار هاتين الناحيتين: أمرٌ وطاعة، من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج” (مجموعة الرسائل)ص362.
وكانت القيادة الإخوانية صارمة في تنفيذ الأوامر وتُلزم أتباعها بأمورٍ بحسب ما ترى، لدرجة أنها منعت آنذاك من إطلاق اللحية إلاَّ بإذن من المرشد العام! (مع الإمام حسن البنا)ص48.
وأكَّد حسن البنا على أنَّه لا بدَّ من الثقة المطلقة بالقائد من دون أدنى الشك، فكما أنَّ الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها، فكذلك يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معًا! (مع الإمام حسن البنا)ص62.
لقد أراد حسن البنا تجنيد المجتمع كلِّه لصالح أهدافه السياسية، ففَرَض على كلِّ مسلمٍ أن يكون سياسيًّا، وفرض عليه أن يتحرَّك لإقامة دولة الإسلام وإلاَّ كان بقعوده مستحقًّا للإثم والوزر، وفرض على أتباعه أن يفهموا الإسلام على ضوء الفهم الإخواني فهو في نظره الفهم الصَّحيح المستمد من القرآن والسنة استمدادًا منطبقًا، وجعل هذا الفهم هو الركن الأوَّل من أركان البيعة، وفرض عليهم الطاعة من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وحثَّ الأتباع على استخدام وسائل الدعاية الممكنة لنشر الفكر الإخواني.
- محاولة استغلال حسن البنا البرلمان للتسويق الإعلامي واستخدام الجاسوسية وإنشاء تحالفات:
مع أنَّ موقف حسن البنا من قانون الانتخابات كان سلبيًّا حيث قال:”ولقد شعر الجميع بقصور قانون الانتخابات الحالي عن الوفاء بالغرض الذي وضع من أجله وهو الوصول إلى اختيار الصالحين للنيابة عن الأمة، ووجهت إليه انتقادات مرة كشفت عن كثير من العيوب “
مع هذا ففي مارس سنة 1942م رشح البنا نفسه في دائرة الإسماعلية، وانتشرت الإعلانات واللافتات، ولكن البنا بعد ذلك أعلن تنازله عن الترشيح بناءً على طلب مصطفى النحاس في مقابل أن يعطيه الحرية لدعوته في كلِّ مكان، وفي وزارة أحمد باشا ماهر سنة 1945م عاد الإخوان في الإسماعيلية إلى ترشيح البنا للمرة الثانية لعضوية مجلس النواب، وانتهت الانتخابات وكانت النتيجة تقضي بالإعادة بين البنا ورجل آخر، وعند إعلان نتائج الاقتراع في جولة الإعادة كان الفوز من نصيب الآخر، فخرج مناصرو البنا في مظاهرة غاضبة ترمي الحكومة بالتزوير والتضليل، (حسن البنا مواقف في التربية)ص236-246.
وقد سئل البنا عن أسباب اشتراك الإخوان في انتخابات مجلس النواب فكتب مقالاً قال في أثنائه بعد أن ذكر ما وصل إليه الإخوان في المحيط الشعبي من تأثير:”وبقي عليهم بعد ذلك أن يصلوا بهذه الدعوة الكريمة إلى المحيط الرسمي، وأقرب طريقٍ إليه منبر البرلمان” (حسن البنا مواقف في التربية)ص239و240.
وإمعانًا في تحقيق هذا الهدف كان موقف حسن البنَّا من الأحزاب السياسية في مصر موقفًا سلبيًّا واضحًا، وقد نادى بحلِّها، لتكون النتيجة والمعادلة هي: انفراد الحزب الإخواني بالسَّاحة السياسيَّة!
يقول حسن البنا:”أما رؤوس مناحي الإصلاح المرتكز على الروح الإسلامي الصحيح فهي: أولا: في الناحية السياسية والقضائية والإدارية: 1- القضاء على الحزبية وتوجيه قوى الأمة السياسية في وجهة واحدة وصفّ واحد” (مجموعة الرسائل)ص290.
ويقول أيضًا:”نحن لهذا لا نعترف بأي نظام حكومي لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه، ولا نعترف بهذه الأحزاب السياسية” (مجموعة الرسائل)ص177.
ويقول أيضًا:”والإخوان المسلمون يعتقدون أن الأحزاب السياسية المصرية جميعا قد وجدت في ظروف خاصة, ولدواع أكثرها شخصي لا مصلحي, وشرح ذلك تعلمونه حضراتكم جميعا، … ويعتقد الإخوان كذلك أن هذه الحزبية قد أفسدت على الناس كل مرافق حياتهم وعطلت مصالحهم, وأتلفت أخلاقهم, ومزقت روابطهم, وكان لها في حياتهم العامة والخاصة أسوأ الأثر” (مجموعة الرسائل)ص146.
إلى أن قال:”بهذه المناسبة أقول: إن الإخوان المسلمين يعتقدون عقم فكرة الائتلاف بين الأحزاب, يعتقدون أنها مسكن لا علاج, وسرعان ما ينقض المؤتلفون بعضهم على بعض, فتعود الحرب بينهم جذعة على أشد ما كانت عليه قبل الائتلاف, والعلاج الحاسم الناجح أن تزول هذه الأحزاب مشكورة فقد أدت مهمتها وانتهت الظروف التي أوجدتها ولكل زمان دولة ورجال كما يقولون” ص148.
ويقول أيضًا:”أيها الإخوان لقد آن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر, وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وإنفاذه القوى والجهود” (مجموعة الرسائل)ص168.
وعن الجاسوسية يقول محمود عساف:”كنا نجمع معلومات عن جميع الزعماء والمشاهير من رجال السياسة والفكر والأدب والفن، سواء كانوا أعداء للإخوان أو أنصارهم، وهذه المعلومات كانت ترد لي لأحتفظ بها في أرشيف، وأعود إليها كلما طلب أحد هؤلاء مقابلة الأستاذ الإمام أو اجتمع به لأية مناسبة من المناسبات، وأذكر الإمام بالمعلومات حتى تكون في خلفيته وهو يتحدث مع ذلك الشخص” (مع الإمام الشهيد)ص152 و153.
وعن التحالفات يقول محمود عبد الحليم:”وبالرغم من هذه الفروق الشاسعة بين التنظيمات الإخوانية والتنظيمات الأخرى فإن التنظيمات الإخوانية لمجرد التقائها مع التنظيمات الأخرى في نقطة واحدة وهي العمل على تحرير البلاد من الحكم القائم بها فإنها فتحت لهم صدرها، وأوسعت لهم من حمايتها، ومنحتهم من رعايتها، وكانت موئلا لهم كلما حَزَب الأمر، وملجأٌ إذا اشتدَّ الخطب” (الإخوان المسلمون أحداثٌ صنعت التاريخ)(2/ 541).
ومن ذلك أنَّه عرض سكرتير السفارة الأمريكية التعاون مع حسن البنا في محاربة الشيوعية فقال البنا:”فكرة التعاون فكرة جيدة … لا مانع لدينا من مساعدتكم بأن نمدكم بالمعلومات المتوافرة عنها، وحبذا لو فكرتم في إنشاء مكتب لمحاربة الشيوعية، فحينئذٍ نستطيع أن نعيركم بعض رجالنا المتخصصين في هذا الأمر، على أن يكون ذلك بعيدًا عنَّا بصفة رسمية، ولكم أن تعاملوا هؤلاء الرجال بما ترونه ملائمًا دون تدخُّلٍ من جانبنا غير التَّصريح لهم بالعمل معكم” (مع الإمام حسن البنا)ص14.
- حسن البنا واستخدام القوة في استخلاص الحكم من أيدي الحكومات:
لقد كانت بداية هذا الطريق الوعر في سلب الشرعية من الحكومات القائمة والتحريض عليها، ومن ثم الدعوة إلى استخلاص الحكم منها ولو كان بالقوة.
الجزئية الأولى: سلب الشرعية من الحكومات القائمة والتحريض عليها:
يقول حسن البنا:”عجيب أن تجد الشيوعية دولة تهتف بها … ولا نجد حكومة إسلامية تقوم بواجب الدعوة إلى الإسلام … مع أن الإسلام جعل الدعوة فريضة لازمة … ولكن أنّى لحكامنا هذا وهم جميعا قد تربوا في أحضان الأجانب, ودانوا بفكرتهم, على آثارهم يهرعون, وفي مرضاتهم يتنافسون؟ ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا: إن الفكرة الاستقلالية في تصريف الشؤون والأعمال لم تخطر ببالهم، فضلا عن أن تكون منهاج عملهم، لقد تقدمنا بهذه الأمنية إلى كثير من الحاكمين في مصر, وكان طبيعيا ألا يكون لهذه الدعوة أثر عملي, فإن قوما فقدوا الإسلام في أنفسهم وبيوتهم وشؤونهم الخاصة والعامة لأعجز من أن يفيضوه على غيرهم, ويتقدموا بدعوة سواهم إليه, وفاقد الشيء لا يعطيه، ليست هذه مهمتهم أيها الإخوان, فقد أثبتت التجارب عجزهم المطلق عن أدائها” (مجموعة الرسائل)ص196و197.
ويقول أيضًا:”وكلمة لابد أن نقولها في هذا الموقف: هي أن الإخوان المسلمين لم يروا في حكومة من الحكومات التي عاصروها لا الحكومة القائمة ولا الحكومة السابقة ولا غيرهما من الحكومات الحزبية من ينهض بهذا العبء أو من يبدي الاستعداد الصحيح لمناصرة الفكرة الإسلامية, فلتعلم الأمة ذلك, ولتطالب حكامها بحقوقها الإسلامية, وليعمل الإخوان المسلمون” (مجموعة الرسائل)ص137.
الجزئية الثانية: الدعوة إلى استخلاص الحكم من أيدي الحكومات:
يقول حسن البنا:”فإذا قصَّرت (أي: الحكومة) فالنصح والإرشاد، ثم الخلع والإبعاد” (مجموعة الرسائل)ص361.
ويقول أيضًا:”أما الحال كما نرى: التشريع الإسلامي في واد والتشريع الفعلي في واد آخر, فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف”.
إلى أن قال:”وعلى هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله” (مجموعة الرسائل)ص137.
ولذلك يقول محمود عبد الحليم:”ترى تنظيمات الإخوان أنَّ تحرير مصر من الحكم القائم بها هو مجرَّد وسيلة لتمكين الحكم الإسلامي بها” (أحداث صنعت التاريخ)(2/ 265).
الجزئية الثالثة: الخروج المسلَّح واستخدام القوة لاستخلاص الحكم:
يقول حسن البنَّا:”وقد قرر الإسلام سلطة الأمة وأكَّدها، وأوصى بأن يكون كلُّ مسلم مشرفًا تمام الإشراف على تصرفات حكومته، يقدم لها النصح والمعونة، ويناقشها الحساب، وهو كما فرض على الحاكم أن يعمل لمصلحة المحكومين بإحقاق الحق وإبطال الباطل، فرض على المحكومين كذلك أن يسمعوا ويطيعوا للحاكم ما كان كذلك، فإذا انحرف فقد وجب عليهم أن يقوموه علي الحق ويلزموه حدود القانون ويعيدوه إلى نصاب العدالة” (مجموعة الرسائل)ص160و161.
إلى أن يقول مستدلاًّ على هذا:”ومن هنا كانت الكتيبة التي شقت عصا الطاعة على الحجاج وحاربته وأنكرت عليه بقيادة ابن الأشعث تسمي كتيبة الفقهاء ، إذ كان فيها سعيد بن جبير وعامر الشعبي وأضرابهما من فقهاء التابعين وجلة علمائهم” (مجموعة الرسائل)ص162.
والاستدلال بواقعة ابن الأشعث استدلال غير قويم؛ لأنَّها كانت فتنةً ندم من دخل فيها، وكان الحسن البصري يُحذِّر الناس من الدخول فيها وينهاهم عن ذلك أشد النهي.
وقال البنا أيضًا:”وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح” (مجموعة الرسائل)ص135و136.
ويقول أيضًا:”وفي الوقت الذي يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا روحيًّا بالإيمان والعقيدة، وفكريًّا بالعلم والثقافة، وجسميًّا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: (ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة)، إني أقدر لذلك وقتًا ليس طويلاً بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب، وتختلف النتائج المترتبة عليه، فأشعروا أنفسكم العبء، وألفوا الكتائب، وكونوا الفرق، وأقبلوا علي الدروس، وسارعوا إلى التدريب، وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إليها بعد، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل” (مجموعة الرسائل)ص128.
وقد تمثَّل هذا عمليًّا على أرض الواقع – أي: تغيير النظام الحاكم بالقوة – في سحب الشرعية السياسية عن النظام الملكي في مصر، ومن ثم تحالف العسكريين التابعين للإخوان المسلمين مع مجموعة الضباط الأحرار للإطاحة بالملك فاروق وإلغاء الملكية.
إلى جانب أنواع أخرى من الجنوح السياسي لدى التنظيم الإخواني، منها: إنشاء كوادر عسكرية سرية والقيام بالاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية في سبيل الوصول إلى الأهداف السياسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق