أنها
الرواية التي شاركت عدة أيدٍ على كتابتها فضربت رقماً قياسياً في هذا الإطار: عنوانها
"إن تريتوريو نيميكو" أو "في أرض الأعداء" وكتبت بالإيطالية وقد
تشارك في تأليفها 230 كاتباً. أما الكاتب الأول الذي قدّم الفكرة وبدأها فهو فانيّ
سانتوني الذي يقول إن مؤسسة "أس.إي.ج." أو "صناعة الكتابة المشتركة"
التي تألفت عام 2007 لم تصل الى مبتغاها إلا بعد أعوام، وقد صدرت "إن تريتوريّو
نيميكو" في إيطاليا عن منشورات "مينيموم فاكس" وقد استغرقت كتابتها
نحو ستة أعوام جال بها المؤلفون ليصطادوا أحلاماً جديدة، وقد دهشوا عندما لاحظوا كم
يمكن أن تثمر هذه التجربة ولاحظوا أيضاً أن إيطاليا تنفرد بهذه التجربة الأدبية الفريدة
في نوعها.
وهي
بدأت عام 1929 مع رواية "القيصر لم يمت" من نوع المغامرات كتبتها مجموعة
على رأسها الكاتب الايطالي مارينيتي (1876 1944) الذي أسس لتيارات أدبية لاحقة كان
لها أثرها الكبير في ايطاليا والعالم وأهمها تيار "المستقبلية"، وصولاً الى
رواية "عين كارافا" التي كتبت بأيدي ثمانية مؤلفين، وكان ذلك عام 1999 عن
منشورات "اينوديا" وترجمت لاحقاً الى أكثر من عشر لغات عبر العالم، فصدرت
في فرنسا عام 2001 بترجمة لناتالي باور، والرواية كانت موقعة باسم لوثر بليسيت. أما
هذا الاسم فيخفي وراءه رباعياً من المؤلفين هم روبرتو بوي وجيوفاني كاتابريغا وفيديريكو
غوغليالمي ولوكاس دي ميّو، وهم يؤلفون اليوم جماعة "وومينغ" بعد أن حلّت
جماعة لوثر بليسّيت، وكانت رواية "عين كارفا" قد أسرت القراء بموضوعها. تحكي
الرواية قصة رحلة يقوم بها "الكابتن" البطل في أوروبا في النصف الأول من
القرن السادس عشر وخلال تجواله يغطي الأحداث التي حصلت خلال 30 عاماً في ألمانيا وايطاليا.
وقد حمّل النقاد الرواية تأويلات كثيرة تصبّ في الآراء السياسية المتضاربة في كل أنحاء
أوروبا.
أما
رواية "إن تيريتوريو نيميكو" تحكي قصة ضابط عسكري يقرر السفر والرحيل عن
ايطاليا ابّان الحرب، كما تحكي قصة فتاة شابة تنخرط في السياسة وتقرر أن تقتل كل فاشي
تصادفه في طريقها، وهناك أيضاً أبطال آخرون: ماتيو، أخته آديل وشقيقه آلدو: ثلاثة أبطال
شباب فرّقتهم الحرب في العام 1943 وخلال عشرين شهراً يذوقون كل مرارات الحرب النازية
ويعيشون مشاعر الوحدة والانعزال كما الحب في أقصى التجارب الصعبة. وفي هذا الإطار،
قد ينظر النقّاد الى الرواية وكأنها ملحمة جديدة عن زمن المقاومة: وتشبه غناء الكورس
الجماعي حين ينشد الجميع في اتجاه واحد، كذلك هؤلاء الكتّاب وعددهم 230 كاتباً تحلقوا
حول موضوع المقاومة الوطنية حين عاشت ايطاليا الحرب العالمية الثانية. وقد اعتمد المؤلفون
في كتاباتهم على قصص كثيرة سمعوها عن الحرب وعلى أخبار شفوية تناقلتها الأجيال عن تلك
المرحلة.
ويعتبر
معظم الكتّاب الذين تُذكر أسماؤهم في مقدمة الكتاب ولا مجال لذكرها هنا، ان هذه الطريقة
في الكتابة تفيد في بعض النواحي التي قد لا تقدمها الرواية المكتوبة بقلم واحد، وأهمها
أن الرواية المشتركة قد تضم آراء مختلفة ومتضاربة وبالتالي قد تكتشف عن أسرار كثيرة
عمل على طمسها أو على اخفائها بأساليب مختلفة. فالكتابة الجماعية تساعد على قول حقائق
لا يجرؤ على قولها كاتب بمفرده، فالمسؤولية هنا موزعة على المئات، كما أن هذه الكتابة
تطرح جدليات واسعة الاطار حول مسائل سياسية وانسانية كثيرة قد تتوضح عبر التكرار والتحليل
المتنوع.
أما
طريقة الكتابة التي اعتمدتها المجموعة ونسّقها فاني سانتوني بمساعدة غريغوري ماجيني
فهي كالتالي: يكتب أحدهم صفحة أو أكثر ثم يضع النص بين يدي كاتب آخر عليه أن يتابع
من حيث توقف الأول، ثم وبعد كتابته لنص اضافي من صفحة أو أكثر يمرر النص الى شخص ثالث
وهكذا دواليك... حتى يعود النص مراراً وتكراراً الى الكاتب الأول ثم الثاني ثم الثالث...
وهذا يسمح لكل مؤلف بأن يكمل ما اقتنع به أو يعترض ويغيّر حين يرى ضرورة لذلك.
"ان تيريتوري نيميكو" أو "في أرض الأعداء" صدرت بالإيطالية وقد
يعمل على ترجمتها الى لغات عدة خاصة الى الفرنسية والانكليزية الأمر الذي يُطرح حالياً
بعد أن بدأ الكتاب يلقى رواجاً منذ عرضه في المكتبات الايطالية قبل حوالى الأسبوعين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق