الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

حلم الهجرة إلى أوروبا بين الحقيقة و الخيال .. تجارب في ألمانيا ... دراسة و تحقيق هشام بكر


الطريق إلى أوروبا مليء بالعقبات، وأول الطرق لتخطي تلك العقبات هي المعرفة، لاسيما تلك التي تتعلق بشروط وتكاليف الحصول على تأشيرة السفر والمعلومات حول تكاليف الدراسة والمعيشة في ألمانيا.

لدخول إحدى دول منطقة شنغن، ومن بينها ألمانيا، يجب الحصول على تأشيرة سفر، وتبلغ قيمة هذه التأشيرة نحو 60 يورو. لكن بعض الفئات معفية من هذه التكاليف، كالطلبة والمدرسين والمحاضرين والعلماء المسافرين للدراسة أو لغرض البحث العلمي، وأيضا الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً والراغبين في المشاركة في ندوات علمية أو مناسبات ثقافية ورياضية. كذلك يتم إعفاء أقارب مواطني الاتحاد الأوروبي من هذه الرسوم. 

سنوياً، يقدم حوالي نصف مليون شاب وشابة من كل أنحاء العالم إلى أوروبا لبدء دراستهم الجامعية، يلتحق نصفهم بالجامعات البريطانية، تليها فرنسا، ثم تأتي في المرتبة الثالثة كل من إيطاليا وألمانيا، إذ تستقبل كل منهما حوالي 30 ألف طالب سنويا.

لكن على الطلبة إثبات قدرتهم على التكفل بتكاليف الحياة في الدولة التي يقصدونها. أما الذين لا يملكون حساباً مصرفياً كبيراً، أو ليس لديهم أقارب أو معارف أغنياء في أوروبا، عليهم التقدم بطلب للحصول على منحة دراسية، مثلاً من الهيئة الألمانية للتبادل العلمي DAAD. وفي العام الماضي على سبيل المثال قدمت هذه الهيئة منحاً لحوالي 6500 طالب من أفريقيا والشرق الأوسط والأدنى. وبالطبع، هناك العديد من المؤسسات الأوروبية الأخرى التي تقدم منحاً دراسية.

أما إذا كنت تفضل البقاء لمدة عام في دولة من دول الاتحاد الأوروبي بهدف العمل مقابل أجر متواضع، ينبغي عليك الاتصال بإحدى الوكالات المتخصصة بتنظيم العمل لرعاية الأطفال في أسرة ما مقابل الإقامة لدى هذه الأسرة، أو يمكنك الاتصال بإحدى المنظمات غير الحكومية التي توفر فرص التدريب لعدة أشهر. لقد تم استحداث هيئة جديدة في ألمانيا (العمل الطوعي الفيدرالي)، والتي تتيح فرصا للعمل التطوعي ليس فقط للمواطنين الألمان ولكن أيضاً للأجانب.

لا أحد يعرف على وجه الدقة عدد الناس الذين يقيمون في ألمانيا بدون تأشيرات صالحة. وحسب تقديرات تقريبية لعام 2005 فإن عدد المهاجرين المقيمين على أراضي الاتحاد الأوروبي دون تصريح إقامة قانوني يتراوح بين حوالي 2.8 و6 ملايين نسمة. وتشمل هذه التقديرات أيضاً المهاجرين الذين وصلوا إلى دول الاتحاد الأوروبي بتأشيرات سفر قانونية، ثم قرروا الاختباء بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها.

تحت رحمة المجرمين

كم تبلغ تكلفة السفر؟" سؤال يشغل عقول آلاف الأفارقة الذين يفكرون في الهجرة إلى أوروبا. والجواب بسيط إذا ما اختاروا الطرق القانونية، لكنه معقد حين يتعلق الأمر بالبحث عن طرق غير شرعية للوصول إلى "الفردوس الأوروبي". 


يضع العديد من المهاجرين مصائرهم في أيدي "مهربي البشر". فهم بذلك يسلكون طريقا محفوفا بمخاطر جمة وغير مضمون العواقب، فلا أحد يعلم أين قد ينتهي بهم المطاف. فبعض المهربين يدعون نفاذ البنزين ويطلبون المزيد من المال، مهددين بترك المسافرين في عرض الصحراء.

ويواجه النساء والأطفال بالذات مخاطر التعرض للعنف والاعتداء الجنسي، كما أنه يتضح في نهاية الأمر أن بعض هؤلاء المهربين يتاجرون بالبشر ويجبرون ضحاياهم على الدعارة أو أنواع أخرى من مظاهر العبودية المعاصرة. الاتجار بالبشر تجارة مربحة، تدر أرباحا سنوية تقدر بأكثر من 30 مليار دولار سنوياً، وتعد ثاني أكثر تجارة غير شرعية مربحة في العالم بعد الاتجار بالمخدرات.

وفي الطريق من الجنوب إلى الشمال، هناك الكثير ممن يمدون يد العون لهؤلاء المجرمين: مثل ضباط الأمن المتورطين في الفاسد وضباط الجمارك وشرطة الحدود وحراس السجن المرتشين. ويعد الأجنبي الذي يقيم في أي بلد في العالم دون تأشيرة إقامة قانونية فريسة محتملة تسقط في شباك الشبكات الإجرامية. 

حين تتحول أرض الأحلام إلى "أرض الكوابيس"

يواجه العديد من المهاجرين مشاكل كبيرة في التأقلم مع المحيط الاجتماعي الجديد، بالإضافة إلى صعوبة حصولهم على عمل مناسب. كل ذلك يساهم في تكريس الشعور بالغربة والحنين للوطن الأم يتحول لدى البعض أحيانا إلى اكتئاب حاد.

يمكن أن يحدث هذا مثلاً عندما يقدم شخص ما ملاحظات لاذعة عن لون بشرتك، أو عندما تتعثر في الامتحانات الجامعية مرة تلو الأخرى، أو عندما يستدعي الجيران الشرطة لأنك قمت بتشغيل جهاز التلفزيون بصوت مرتفع. كل شخص يعيش بعيداً عن وطنه يشعر بالحنين للوطن عاجلاً أو آجلاً. وفي كثير من الأحيان لا يتعلق هذا الشعور بالحنين فقط بالشعور بالوحدة، بل يرتبط أيضاً بفقدان الجذور والهوية.


يواجه المهاجرون غير الشرعيون ظروفا صعبة تجل العديد منهم يحن إلى وطنه الأم.

وأحياناً يتحول الشعور بالغربة إلى اكتئاب حاد، خاصة بعد المرور بظروف صعبة وصادمة مثل الحروب في الوطن أو العنف الذي قد يتعرض له المهاجر في طريقه إلى أوروبا.

وفي أي حال، فالمساعدة للمهاجرين متوفرة من منظمة "برو أزيل" المهتمة بشئون اللاجئين ومن غيرها من المنظمات الإنسانية. وهذه المنظمات تستطيع أن توفر للمهاجر فرصة التواصل مع مجموعات المساعدة الذاتية ومراكز الدعم النفسي.

تحصين حدود أوروبا

عاما بعد عام، يلقى مئات الأفارقة حتفهم أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب صغيرة. وتقدر منظمات حقوق الإنسان عدد الضحايا بأكثر من 14 ألف شخص منذ عام 1988.

شهد السياج الحدودي لمدينة سبتة أواخر صيف عام 2005 أحداثا مأساوية عندما حاول مئات اللاجئين في وقت واحد محاولين اجتياز السياج أملا في وضع أقدامهم على الأراضي الأوروبية. وقد أدت محاولة الاقتحام هذه إلى مقتل خمسة أفارقة وجرح أكثر من خمسين. هذا التدفق على الحدود المغربية الإسبانية جاء بعد أن انتشر في مخيمات اللاجئين في المغرب خبر إنشاء وكالة أمن أوروبية مشتركة لحماية الحدود تدعى "فرونتكس" من أجل تحسين سبل منع الهجرة غير الشرعية. وفي الوقت الحالي، تقوم هذه الوكالة بمساعدة أجهزة الشرطة الوطنية في بعض دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال في تأمين حدود جزر الكناري، وسواحل البحر المتوسط وعلى طول الحدود في أوروبا الشرقية. 

أجانب في مناصب قيادية

تواجه القوى العاملة المهاجرة إلى ألمانيا صعوبات كبيرة على طريق الترقي المهني. غير أن فرص المهاجرين آخذة في التحسن بفضل العولمة، مثلما يرى العارفون ببواطن الأمور.

عندما جاء زينغ رونغ ليو قبل عشرين عاماً إلى ألمانيا كان عليه – مثله مثل طلاب أجانب كثيرين – أن يعمل بجانب دراسته لكي يقيم أوده. عمل ليو خادماً في مطعم صيني، وموزعاً للصحف، كما عمل في عدة مطابع ومصانع. "إذا قلت إنه كان عندي خطة، فسوف أكون مبالغاً"، يقول ليو اليوم. واقعياً كانت فرص العمل بالنسبة له في ألمانيا شبه منعدمة، إذ أنه درس علوم التربية والسياسة والأدب الانجليزي، وهي مواد لا تؤهل ليو لكي يعمل في منصب مرموق في القطاع الاقتصادي، كما أن الأكاديميين المهاجرين يواجهون صعوبات خاصة.

"البرهنة على أنني أستطيع ذلك"


مجموعة من الطلبة الأجانب في جامعة كولونيا

وتقول إنغريد يونغفيرت، الباحثة في شؤون الهجرة لدى جامعة هومبولت البرلينية، إن عدد الطلاب الأجانب الذين يحصلون على وظيفة تتناسب مع مؤهلاتهم لا يتعدى الثلث. أما النسبة عند الطلاب الألمان فهي ضعف ذلك. الشيء نفسه ينطبق على الوظائف القيادية والمهمة: فبينما يعمل نحو 17 في المائة من الخريجين الألمان كمديرين ومديرات، فإن نسبة الأكاديميين الأجانب الذين يحققون ذلك لا تتعدى 8 في المائة.

لن يكون غريباً لو كان ليو مازال يعمل في أحد المصانع. غير أن الأمور تطورت على نحو آخر، إذ أن ليو اليوم يعمل كرئيس قسم شؤون العاملين في مجموعة شركات لاكسنيس للكيماويات في ليفركوزن، وهو بذلك مسؤول عن نحو 15 ألف موظف في كافة أنحاء العالم. عندما تولى منصبه قبل سبع سنوات كانت هناك تحفظات عليه، بسبب أصله من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب عمره، إذ كان بسنواته الخمس والثلاثين آنذاك صغيراً بالمقارنة مع غيره. "كثيرون تساءلوا بالطبع: هل سيستطيع أن يفهمنا من الأساس؟ هل سيستطيع أن ينهض بالعمل؟"، يقول ليو متذكراً. "كان عليّ من خلال عملي ومن خلال تعاملي مع الناس أن أبرهن على أنني قادر على ذلك – وهو ما نجحت فيه إلى حد ما."

لا نجاح مهني بدون شبكة اجتماعية

كان طريقاً طويلاً ذلك الذي شقه ليو، ولم يخلُ الأمر من المصادفة. خلال فترة الدراسة كان ليو يدرس اللغة الصينية لمديري مجموعة شركات "باير" للكيماويات. وهكذا سألوه ذات يوم ما إذا كان يريد أن يعمل لشركة "باير" في الصين. هناك كان عليه أن يؤسس نظاماً جديداً للتدريب. وبهذه الصفة قابل عدداً من المديرين الذين اكتشفوا قدراته وشجعوه. وهكذا عُرض عليه أن يتولى قسم شؤون العاملين لشركة "لاكسنيس" التابعة لباير.

القدرات والمهارات المتميزة وحدها لا تكفي إذاً، وهذا شيء ينطبق أيضاً على المهاجرين، مثلما تقول الباحثة الاجتماعية في شؤون الهجرة إنغريد يونغفيرت: "الفيصل هو العلاقات الاجتماعية والحصول على المعلومات المهمة، وهو ما ينطبق على كافة الوظائف التي تتطلب مؤهلات عالية". وتنصح الباحثة المبتدئين بإنشاء شبكة من العلاقات الاجتماعية، مثلا عن طريق العمل في الروابط المهنية.

التوجه الدولي كميزة


زينغ رونغ ليو، رئيس قسم شؤون العاملين في مجموعة شركات لاكسنيس للكيماويات في ليفركوزن

إذا استطاع الإنسان اقتناص منصب قيادي، فإن الأصول الأجنبية قد تكون ميزة. "معظم المؤسسات لها علاقات عمل في مختلف دول العالم، وهي لهذا تبحث عامدةً عن موظفين من مختلفي الجنسيات لكي يعكسوا التوجه الدولي للمؤسسة"، يقول زورغه دروستن، مدير الشركة الاستشارية Kienbaum Executive Consultants. بل إن ثلث الوظائف القيادية لدى هذه الشركة يشغلها موظفون من الخارج. غير أن الأمر يختلف تماماً بالنسبة للذين يأتون إلى ألمانيا ليعملوا في وظائف أخرى غير تلك الوظائف القيادية المرغوبة دولياً.

الاندماج كشرط من شروط الترقي

غير أن زورغه دروستن لديه أيضاً رسالة مشجعة لكل الذين يقصدون ألمانيا: في السنوات العشر أو العشرين القادمة ستتاح فرص رائعة. "بسبب الثغرة المتولدة عن النقص الديموغرافي ستكون هناك فرص كثيرة جداً للترقي المهني"، يقول رئيس شؤون العاملين، ويضيف: المهم هو أن يحاول الإنسان أن يندمج في المجتمع، وذلك عبر تعلمه اللغة الألمانية وعبر توسيع دائرة أصدقائه.

غير أن التألق وإجادة اللغة الألمانية وحدهما لا يكفيان لكي يشق المرء طريقه المهني في ألمانيا. هناك نقطة يؤكد عليها ليو دائماً، وهي: يجب على الإنسان أن يكون مهتماً بالبيئة المحيطة به: "بدون مثل هذا الاندماج فإن فرص الترقي في مؤسسة دولية تكاد تكون منعدمة"، يقول المدير في شركة لاكسنيس. ولهذا يعتز ليو أيضاً بالفترة التي عمل خلالها خادماً في مطعم وموزعاً للجرائد: "لقد تعرفت عبر ذلك على نواحي مختلفة كل الاختلاف في المجتمع الألماني – وذلك عبر الخبرة الذاتية المباشرة."

DW

ليست هناك تعليقات: