أنقرة (الزمان التركية) – طالب دوغو برينتشاك، رئيس حزب الوطن التركي اليساري العلماني المتشدد، شريكه السياسي في السنوات الأخيرة، الرئيس رجب طيب أردوغان بالاستقالة من منصبه، على خلفية ملصقات ولافتات تتعلق بأحداث انقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز المثيرة للجدل، والتي تظهر الجيش ضعيفًا ومهانًا أمام أنصاره.
وزعم برينتشاك، الذي عقد اتفاقيات مثيرة مع أردوغان وخرج من السجن بعد أن كان محكومًا عليه في إطار قضية أرجنكون الانقلابية، أن الشعب التركي سيطيح بأردوغان خلال أول انتخابات مقبلة إن لم يتقدم هو بالاستقالة.
وتظهر في تلك الملصقات التي أعدتها الرئاسة التركية مجموعة من الجنود الأتراك يتعرضون لعنف وإهانة مليشيات شبه عسكرية تابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم كانت نزلت إلى الشوارع والميادين بدعوة من أردوغان ليلة محاولة انقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي، وتم تعليق هذه الملصقات على الحافلات وممرات المشاةبالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى للمحاولة الانقلابية الغادرة.
وفي تغريدات على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي تويتر أعلن برينتشاك أن الملصقات تهين الجيش التركي، مشيرا إلى أن الجيش هو من أجهض المحاولة الانقلابية، وأن كل عبارة تقلل من شأنه تحمل في طياتها إهانة للمستقبل.
وأكد برينتشاك أن من يظهرون الجيش التركي في صورة يرثى لها يخدمون بهذا خطة أمريكا لإنشاءإسرائيل ثانية، على حد قوله. وتساءل: “بأي قوة مسلحة ستدير الرئاسة التركية البلاد وتدافع عنها إذا ما أظهرتجيشها في صورة ضعيفة”، مفيدا أنه يتوجب على أردوغان الاستقالة في حال عدم إزالته هذه الملصقات، وإلا فإن الشعب سيطيح به خلال أول انتخابات مقبلة.
وتسببت الملصقات التي نشرتها الرئاسة يوم أمس في موجة انتقادات من فصائل سياسية مختلفة رأت أن الملصقات تظهر الجيش في ذل وهوان.
من هو دوغو برينتشاك؟
خطف برينتشاك الأضواء على نفسه عبر مواقفه الحساسة في اللحظات الحرجة طيلة تاريخ السياسة التركية الحديث. ومع أن نسبة الدعم التي يحصل عليها في الانتخابات ضئيلة جدًا لا تتجاوز 2%، إلا أنه تمتع حتى اليوم بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، خاصة في أجهزة الأمن والقضاء والجيش، ولعب أدوارًا حاسمة في تلميع أو تشويه حركات ومجموعات سياسية أو مدنية، بفضل علاقاته “الغامضة” و”المثيرة” مع بؤر القوى الداخلية والخارجية.
ووصف محمد أيمور؛ رئيس شعبة مكافحة الإرهاب في جهاز المخابرات التركي سابقاً برينتشاك بـfabricator” ” أي مختلِق أحداثٍ من أجل إثارة البلبلة والفوضى في البلاد، في حين أن نائب رئيس المخابرات الأسبق “هرم عباس” شرح مهمة برينتشاك في كتابه تحت عنوان “التحليل” (Analiz) بقوله: “تنفيذ عمليات التصفية باستخدام طرقٍ وأساليبَ شتى ضد العناصر المستهدفة التي تشكّل عائقاً أمام تحقُّق مصالح الدولة الأجنبية التي تعمل لصالحها، والسعي للحيلولة دون تطورِ وتقدُّم تركيا، ومبادرتها إلى اتباع سياسة وطنية مستقلة بعيداً عن مصالح تلك الدولة، من خلال تنظيم أنشطةٍ وفعاليات تقود البلاد إلى حالة عدم الاستقرار المتواصلة”.
وأسّس برينتشاك أربعة أحزاب وترأسها، وهي حزب العمال والفلاحين (1978-1980)، والحزب الاشتراكي (1991-1992)، وحزب العمال (1992–2015)، وحزب الوطن الحالي (15 شباط 2015 – ؟). لكن الغريب والمريب أنه لم يتبنَّ فكرًا معينًا ثابتًا، وإنما روّج لأي فكر مهما كان، بحسب الظروف والرياح؛ فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماوِيًّا في سبعينات القرن الماضي؛ وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات؛ وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات! وأصدر برينتشاك صحيفة يسارية علمانية تحت مسمى “آيدينليك” (Aydınlık)، وقاد المجموعة التي تكوّنت حولها وأخذت اسمها منها. واللافت للانتباه أنه دعم في تسعينات القرن الماضي حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وعمل على تشتيت اليسارية التركية من خلال توظيف اليسارية الكردية. حتى إنه كان يشرف على مجلة “نحو 2000” (2000’e doğru) التي تحولت إلى اللسان المتحدث باسم العمال الكردستاني. وأجر برينتشاك، الذي كان يمثل اليسارية التركية حينها، لقائين مختلفين مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، الذي كان يمثل اليسارية الكردية، أحدهما في عام 1989، والآخر في عام 1991، والتطتهما عدسات آلة التصوير وهما يتبادلان الزهور فيما بينهما، في أحد المعسكرات التابعة للعمال الكردستاني، رغم أنهما يظهران اليوم العداء لبعضهما البعض، بل يعتبر أحدهما الآخر نقيضه، حيث يقدم برينتشاك نفسه في الوقت الراهن “وطنيًّا” يجاهد ضد أوجلان الذي يحاول تقسيم تركيا!
وقد عُرف برينتشاك بمواقفه المصلحية والمتقلبة، حيث لا يخفي بل يعلن أنه لا يتبني أي دين أو فكر أو توجه إيدولوجي معين؛ إذ يقف اليوم إلى جانب “المعسكر الأوراسي” بقيادة روسيا والصين، لكنه كان يدافع عن “المعسكر الغربي” بقيادة أمريكا وأوروبا أو حلف شمال الأطلسي الناتو ويصف الاتحاد السوفيتي بـ”الأمبريالي” قبل ذلك؛ ويعلي اليوم من شأن “القومية التركية” و”القضايا الوطنية”، غير أنه كان يصف من قبل تركيا بـ”الدولة المحتلة” في جزيرة قبرص التركية، ويعترف بمزاعم الإبادة الأرمنية على يد الدولة العثمانية.
برينتشاك يتنصت على أردوغان!
وفي أثناء تحقيقات الفساد الشهيرة انتشرت عشرات التسجيلات الصوتية والمصورة “غير القانونية” التي تكشف تورط أردوغان ونجله ودائرته الضيقة في الفساد والممارسات غير القانونية، إلى جانب التسجيلات القانونية / الرسمية للسلطات الأمنية عام 2013، ادعى أردوغان حينها أن حركة الخدمة هي التي تنصتت على مكالماته ونشرت هذه التسجيلات بعد تزويرها وفبركتها.
وشكل هذا الادعاء أساس كل اتهامات أردوغان ضد حركة الخدمة فيما بعد، إلا أن موقع ”الزمان التركية” نشر فيديو مدبلج إلى العربية أزاح الستار عن حقيقة هذا الأمر، حيث يعترف فيه دوغو برنتشيك بشكل علني بأنه من تنصت على مكالمات أردوغان ونشر التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها بتنصتات غير قانونية، فضلاً عن أنه لا يزال بحوزته كثير من تلك التسجيلات الصوتية والمصورة، وغني عن البيان أنه يستخدم هذه التسجيلات للضغط والابتزاز!.
واضطر أردوغان إلى الإفراج عن برينتشاك مع مئات الشخصيات المدنية والعسكرية المحكوم عليها في إطار قضية أرجنكون في عام 2014 بعد ظهور فساد حكومته، والتحالف معه في تنفيذ “خطة القضاء على حركة الخدمة” التي أعلن برينتشيك مرارًا أنه من وضع هذه الخطة وليس أردوغان.
“أنا صاحب مشروع القضاء على حركة الخدمة”
وكان برينتشيك صرخ في وجه الكاميرات عقب خروجه من السجن قائلاً “سيرى الجميع أننا سنقتلع قريبًا جذور هادمي الجمهورية التركية، بمن فيهم الرئيس أردوغان و(الرئيس السابق) عبد الله جول وفتح الله كولن وكل الجماعات الإسلامية”.
وقال خلال حوار تليفزيوني على قناة “Akit Tv” المقربة من أردوغان “إن مشروع القضاء على حركة الخدمة لم يضعه أردوغان، بل نحن من وضعناه وهو ينفذه، لم نكن نحن من ذهب إليه، بل هو من جاء إلينا، لقد أوكلوا إليه مهمة القضاء على الثورة “الكمالية” في تركيا؛ إلا أنه ارتمى في أحضان الفكر الكمالي”، على حد قوله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق