يحفل
الوسط الأدبي العربي والعالمي بثنائيات أدبية عديدة وعلاقات عاطفية دامت
سنوات طويلة، بعضها استمر مراسلات أدبية ووجدانية ولم تتوج بلقاء أبدا،
وبعضها انتهى نهاية مأساوية بالانتحار، وكثير من القصص انتهت بالانفصال
والغياب والفشل، ولم يكتب النجاح لغالبية هذه العلاقات.
غير
أنها وإن فشلت اجتماعيا وعاطفيا لكنها أنتجت مادة إبداعية شغلت النقاد
والقراء وكانت تتنوع بين أكثر من جنس أدبي كالمراسلات التي دارت بين مي
زيادة وجبران خليل جبران، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وكنتاج شعري
كالذي كتبته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز، والكتابات الفلسفية التي أنتجتها
علاقة جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار.
علاقات
عاطفية كثيرة دخلت مساحة التواصل من باب واسع هو الإبداع واستندت إلى جدار
الحب، تكسرت المشاعر على ذلك الجدار وتهاوت مثل نجم يائس لكن الباب ظل
مفتوحا، مات الحب وظل الإبداع شاهدا يسجل كل تفاصيل الحالات النفسية التي
مر بها الثنائي الأدبي.
الروائي
الأميركي بول اوستر (1947) الذي اشتهر برواياته البوليسية وترجماته الشعر
والروايات إلى اللغة الفرنسية، وتعد سيرته الذاتية في كتابه "اختراع
العزلة" جوهر أعماله كلها، وقد ترجم إلى العربية وتعرف القارىء العربي من
خلاله إلى نص نثري وفكري كتبه بول اوستر بعد وفاة والده، وله الكثير من
الروايات والسيناريوهات السينمائية، وهو من الروائيين المحتفى بهم في
أوروبا كثيرا، خاصة بعد صدور عمله البوليسي الضخم "ثلاثية نيويورك" التي
استكشف فيها مسائل كثيرة تخص اللغة والهوية، وأكدت وقتها على صوته وإبداعه
المتميز في اوروبا.
التقى
بول اوستر زوجته الثانية الروائية الأميركية سيرى هاستفيت في أمسية شعرية
في نيويورك بالصدفة، وأعجب بها بول للدرجة التي هتف في أعماقه "إنها سيرى..
إنها سيرى" ويصف بول لقاءه بهاستفيت بالأمر الخارق الذي ليس بمقدور البشر
التحكم فيه، فهو ينظر إلى لقائه بسيرى على أنه الحظ حين يقف مع الإنسان لو
مرة في العمر.
أما
سيرى فتصف ذلك اللقاء بقولها "ذهبت إلى الردهة ورأيت هذا الرجل الوسيم
فقدمت إليه ووقعت في حبه في ظرف عشر ثوان"، وكان بول قد تزوج قبل سيرى
بكاتبة قصة وأنجب منها طفلا، لكن الشقراء الطويلة سلبت عقله كما يقول وفتح
الحظ له بابا واسعا دخلت منه وظل يهتف طوال سني زواجه الطويلة بذات الجملة
"إنها سيرى".
إنها
الصدفة التي يقول عنها بول اوستر "لو لم يظهر أحدنا في تلك الأمسية
الشعرية لما تقابلنا أبدا، ولظلت الصدفة حبيسة حظ عاثر، لكنها كانت فرصتنا
الوحيدة التي جعلتني أتنفس الصعداء بقية حياتي".
وعلى
الرغم من وصف النقاد لرواياته بأنها في الغالب غير مفهومة، لكن بول اوستر
يعتقد أنه يكافح في حياته من أجل أن تكون كلماته واضحة، ويوازن في كثير من
اللقاءات والحوارات التي يجريها بين حياته الزوجية مع سيرى التي اتسمت
بوضوح وصراحة، وقامت على الواقعية في التعامل مع التفاصيل الخاصة والشؤون
الأدبية التي تكون في كثير من الأحيان الفلك الذي يدوران حوله في نقاشاتهما
وحواراتهما الخاصة، وبين الاتهامات الكثيرة التي توجه إليه خاصة من القراء
والنقاد الأميركيين بصعوبة كتبه وعدم وضوح مغزاه في كتاباته.
يقول
بول اوستر عن الغموض في أعماله وانتقاد القراء له "هذا لا يزعجني في
الحقيقة لأنه أمر أمر طريف ولأنني أعتقد أنها سهلة الفهم، فكتبي عن العالم
الواقعي، أنا لا أكتب عن أخيلة وهمية"، ويقول إنه دائما ما يتحدث إلى زوجته
بأفكاره هذه، وهي التي تقرأ أعماله أولا بأول ويستمع إلى رأيها فيما يكتب
ويأخذ غالبا برأيها واقتراحاتها، لكنها في الغالب تؤكد على رغبتي الكبيرة
في البحث عن الجملة السهلة والبسيطة، حيث البساطة عنوان حياتنا معا.
ويعد
بول اوستر مراجعة زوجته لأعماله بصوتها المسموع جانبا مضيئا من جوانب ذلك
الحظ الذي فتح الباب على مصراعيه في تلك الأمسية الشعرية، فهو لا يحب أن
تقرأ نصوصه قراءة صامتة، وإنما يميل إلى سماع صوتها، ففيه الفرصة لإعادة
التشكيل من جديد إن احتاج العمل إلى ذلك، وعن طريقه أيضا يرسم بول شكل
الكلمات في عقله، ويسمع وقع تأثيرها وقوة سلطتها على القارىء.
كما
أن اوستر في المقابل يقوم بمراجعة وقراءة أعمال هاستفيت فقرة بفقرة، ويعبر
عن سعادته بجلسات القراءة والمراجعة التي يقيمانها في بيتهما، والتي
يعتبرها مختبرا أدبيا تتم فيها العملية الإبداعية بصورتها الأدبية
والحميمية الخالصة.
علاقة
الروائيين الأميركيين علاقة خالية من العقد والغيرة والمشاحنات، وتتسم
بالبساطة والوضوح فكثيرا ما ظهر بول اوستر في الصحافة والإعلام متأبطا ذراع
زوجته الشقراء ببساطة يتمتع بها الروائيون الأميركيون غالبا، فهما
يتشاركان في الصور والأمسيات والندوات، ويستجيبان معا للدعوات التي تقدم
إليهما لإجراء مقابلات تلفزيونية أو صحفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق