في
ظل حالة عدم الاستقرار الاقتصادي و السياسي الذي تعانيه مصر ، و ادت الي انتشار
حالة التمرد لسحب الثقة من الحكومة الآخوانية و التي وصلت الي ثلاثة مليون توقيع ،
يعد المتغير الاقتصادي حاكما في رسم مستقبل الدولة، ومآلات عملية التغير السياسي التي
تمر بها. فثمة تحديات اقتصادية عدة تواجهها مصر، لا تنفصل بالضرورة عن تحديات إدارة
العملية السياسية، تدق ناقوس الخطر، وتنذر بأزمة اقتصادية، وسياسية، واجتماعية، ما
لم يتم اتباع السياسات اللازمة للتغلب عليها.
ولما
كانت الأوضاع الاقتصادية المصرية المتأزمة من الأهمية بمكان في التأثير في التطورات
الداخلية ومستقبل الدولة، فقد صدرت عديد من المقالات والتقارير عن مؤسسات ومجلات اقتصادية
وسياسية عالمية تناقش الأزمة الاقتصادية في مصر وأبعادها، والأسباب المختلفة المؤدية
إليها، واستراتيجية النظام السياسي في مواجهتها، مع تقديم مجموعة توصيات للحكومة المصرية
للإصلاح الاقتصادي.
واقع
الأزمة الاقتصادية في مصر
واقع
الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر يتضح في جوانب عدة. فوفقا لما ذكرته عديد من المقالات
الاقتصادية، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من نحو 36 مليار دولار في يناير 2011،
ما قبل الثورة، إلي ما يقرب من 13 مليار دولار، والتي قد لا تكفي لتغطية واردات ثلاثة
أشهر فقط، علي الرغم من حاجة الحكومة لاستيراد كميات كبيرة من الدقيق والوقود لسد احتياجات
الأفراد من الخبز ومصادر الطاقة.
كما
انخفضت قيمة الجنيه المصري منذ ديسمبر وحتى الآن بنسبة 10 بالمائة. هذا التراجع في
قيمة العملة أدي بدوره إلى زيادة نسبة التضخم من معدل سنوي يقل عن 5 بالمائة في ديسمبر
2012، إلي 8 بالمائة في فبراير 2013. وما أسهم في تفاقم هذه الأوضاع هي القيود التي
فرضها البنك المركزي على التبادل التجاري، وتضييق الخناق على التجارة والاستثمار الأجنبي،
وفرض ضرائب باهظة بأثر رجعي على المستثمرين المحليين، إلي الحد الذي لم يعد معه السوق
المصري آمنا أو مربحا للمستثمرين الأجانب. وفيما يتعلق بالصناعة الوطنية، تم إغلاق
نحو 4500 مصنع منذ الثورة وحتى الآن، وهو ما ترتب عليه ارتفاع معدل البطالة من 9 بالمائة
إلي 13 بالمائة.
أدى
ذلك كله إلى وصول الاقتصاد المصري إلى مرحلة "الركود التضخمي"، بعد أن تراجع
معدل النمو الاقتصادي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 إلى 2.2 بالمائة وفقا
للبيانات الرسمية. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يصل العجز إلى 12 بالمائة من الناتج
المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية في يونيو، بعد أن كان 9.5 بالمائة. يؤثر ذلك
فى معدلات الفقر في المجتمع المصري، إذ ارتفعت نسبة المصريين تحت خط الفقر من 21 بالمائة
في 2009 إلى 25 بالمائة في العام الماضي.
عوامل
الأزمة الاقتصادية
تعود
هذه الأزمة الاقتصادية في مصر إلى عاملين رئيسيين. أولا: عدم الاستقرار السياسي وما
يرتبط به من اضطرابات أمنية أدت إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من السوق المصرية، فضلا
عن إلحاق الضرر بقطاع السياحة، الذي يسهم بـ 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي،
إذ وصلت خسائر قطاع السياحة إلى 2.5 مليار دولار، منذ يناير 2011 وحتى الآن، خاصة بعد
قيام منتدى الاقتصاد العالمي بتصنيف مصر كإحدى أخطر المناطق للسياحة.
فيما
يتمثل العامل الثاني في عدم مرونة السياسات المالية والنقدية، خاصة ما يتعلق بتصاعد
عجز الموازنة نتيجة لسياسات الدعم، وجهود مواجهة انخفاض قيمة العملة. فترى عديد من
التحليلات الاقتصادية أن سياسات الدعم التي تفتقد الكفاءة والفاعلية التي طبقتها الحكومات
المتعاقبة هي أحد أبرز العناصر الضاغطة على الاقتصاد المصري. إذ تستحوذ فاتورة الدعم
على ثلث الميزانية الحكومية بقيمة 20 مليار دولار، ناهيك عن عدم وصوله إلى مستحقيه،
واستفادة الفئات غير المستحقة للدعم منه.
ومن
ثم، يكون الإصلاح الاقتصادي والخروج من هذه الأزمة الاقتصادية غير ممكن إلا من خلال
سياسات تعالج هذين الجانبين، أي تعمل على تحقيق الاستقرار السياسي، وضمان توفير بيئة
استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب من جهة، وإعادة النظر في سياسات الدعم والعمل
على إصلاحها من جهة أخرى.
اسلوب
الحكومة الآخوانية لإدارة أقتصاد مصر
تقف
وراء استراتيجية النظام السياسي في التعامل مع التحديات الاقتصادية سالفة الذكر أهداف
ودوافع سياسية بالأساس. فنتيجة لحسابات الاستقطاب السياسي، وزيادة حدة المعارضة للنظام،
واقتراب موعد الانتخابات التشريعية، يرى الخبراء أن الحكومة آثرت تطبيق سياسات من شأنها
أن تعالج تلك التحديات علي المدى القصير، ومد أمد ما قد تئول إليه من انهيار اقتصادي
إلى ما بعد انتخابات مجلس الشعب.
فبدلا
من وضع خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي، اتجهت الحكومة إلى السعي للحصول على مساعدات خارجية
وقروض داخلية، حتى لا تضطر إلى فرض سياسات تقشف قد تؤثر في شعبيتها، ومن ثم في السلوك
التصويتى للناخبين. وفي هذا الشأن، قامت الحكومة بالاقتراض من البنوك المحلية، وحاولت
الدفع تجاه إصدار تشريع يسمح بإصدار الصكوك الإسلامية. كما بذلت الحكومة جهودا لحث
حكومات الدول الصديقة، خاصة الخليجية منها، على تقديم مساعدات للدولة المصرية للحيلولة
دون تدهور احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي.
وبالفعل،
استطاعت الحكومة الحصول على 4 مليارات دولار من قطر، ومليار دولار من السعودية، ومليار
دولار من تركيا. إلا أن حكومات الدول الخليجية أعربت عن عدم رغبتها في تقديم مساعدات
إضافية، وهو ما دفع الحكومة للتوجه نحو العراق وليبيا. قد تسهم هذه المساعدات في تغيير
الأرقام المجردة، إلا أنها لن تغير من الواقع المتأزم للاقتصاد المصري. فهذه السياسة
لا يمكن أن تتسم بالاستمرارية، ولا أن تحقق الاستقرار الاقتصادي المنشود، خاصة في ظل
عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
بيد
أن الجزء الأكبر من المساعدات الخارجية التي تسعى الحكومة للحصول عليها هو قرض صندوق
النقد الدولي الذي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار. إلا أن المؤسسات الدولية، كصندوق النقد
أو الاتحاد الأوروبي، تتردد في منح الحكومة المصرية هذه المساعدات، خوفا من أن تكون
كتلك الأموال التي حصلت عليها مصر من ليبيا وقطر، ولم تسهم في إصلاح حقيقي للأوضاع
الاقتصادي، وإنما فقط أدت إلى إطالة المدة قبل الانهيار الكامل لاحتياطيات النقد الأجنبي
لدى البنك المركزي.
وعلى
الرغم من قيام الحكومة بتعديل بعض السياسات الضريبية لمواجهة الأزمة الاقتصادية، ووضع
خطة لترشيد الدعم سيتم تطبيقها في يونيو، فإن ما أخفقت فيه هو وضع خطة شاملة للإصلاح
الاقتصادي، والتي رآها صندوق النقد شرطا لازما للحصول على القرض. ليس ذلك فحسب، بل
إن الحكومة لجأت إلى العديد من الاستراتيجيات والسياسات التي كانت تتبع في ظل نظام
مبارك قبل الثورة الهادفة لتحقيق أهداف سياسية على حساب الأوضاع الاقتصادية كمحاولة
للتصدي للانتقادات الموجهة للنظام السياسي.
متطلبات
الإصلاح الاقتصادي الحقيقي
تحتاج
مصر إلى خطة شاملة وحلول جذرية للإصلاح الاقتصادي، وليس لسياسات مسكنة تعالج قضايا
جزئية، أو تهدف فقط إلى المواءمة السياسية، بل تتعامل مع التحديات الاقتصادية، وتسعى
للوصول إلى نتائج طويلة الأمد ومستمرة. ولتحقيق ذلك، لابد أن يعاد تشكيل الحكومة بحيث
تتضمن وزراء تكنوقراط، وكوادر تنتمي لخلفيات أيديولوجية متنوعة، ويكون تكليفهم بهذه
الوظائف قائما على معيار الكفاءة. فمن دون وجود إرادة قوية لإدارة الاقتصاد، وخطة محكمة
لتحقيق ذلك تنفذها كوادر تتسم بالكفاءة، ستواجه مصر انهيارا اقتصاديا لا محالة.
كما
اقترح بعض الخبراء الاقتصاديين أن يعاد النظر في سياسات الدعم وأن يستبدل به إنفاق
اجتماعي موجه، بحيث تستفيد منه الفئات المستحقة والأكثر حاجة للدعم. وللحيلولة دون
تدهور الأوضاع السياسية والاضطرابات التي قد تنتج عن سياسة النظام في ترشيد الدعم،
على الحكومة أن تجري حملة قومية تقوم فيها بتوعية المواطنين بالآثار السلبية المرتبة
على سياسات الدعم الحالية، وضرورة إصلاحها، وما سيترتب على هذه الإصلاحات من منفعة
مباشرة للمواطنين، وحل للأزمة الاقتصادية بشكل عام.
فعلى
سبيل المثال، قام النظام السياسي في غانا في عام 2005 بإجراء بحث مستقل، أوضح أن المستفيدين
الحقيقيين من الدعم هم الطبقات الأغنى من السكان. وتم عرض هذه النتائج على المواطنين،
إلى جانب حزمة السياسات والإجراءات التي ستستخدم لتعويض المواطنين الأكثر فقرا عن الدعم
بطرق أخرى، وإبراز درجة فساد وعدم كفاءة نظام الدعم المطبق حاليا.
وأخيرا،
يجب على النظام السياسي أن يسعى حثيثا نحو التوصل إلى توافق سياسي ما بين مختلف القوى،
والاستماع لمطالب المعارضة، وإشراكها في إدارة الدولة من خلال تضمين ما تقدمه من رؤى
ومقترحات، بحيث تصل مصر إلى درجة من الاستقرار السياسي تدفع الاقتصاد بكافة قطاعاته
للنمو، وتهيئ مناخا استثماريا ملائما يشجع المستثمرين الأجانب على الدفع باستثماراتهم
في السوق المحلية، وتحسين نشاط قطاع السياحة.
يرى
بعض المحللين أن تطبيق هذه السياسات قد يكون مستبعدا بسبب اقتراب موعد الانتخابات التي
ينظر إليها النظام على أنها بمثابة فرصة للاستعاضة بالفوز الانتخابي عن فشل الوصول
إلى إجماع سياسي. بيد أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه حتى إجراء الانتخابات لن يجدي
نفعا، وسيزيد من تفاقم الأزمة، خاصة بعد تأجيل الانتخابات، وهو ما يعني مد فترة المواءمات
التي تتجنب فيها الحكومة اتخاذ قرارات حاسمة للحيلولة دون الانهيار الكامل للاقتصاد
المصري لأهداف سياسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق