الأربعاء، 25 فبراير 2015

قصة ” الزعر والحرافيش في مصر المملوكية ”


الحرافيش والعوام والزعر على المصريين سكان القاهرة من الطبقات الشعبية ، خصوصا الحرفيين  وفي نهاية العصر المملوكي ساد لقب الحرافيش على الطبقات الشعبية حتى نهاية العصر العثماني
استهان مماليك السلطان بشخص السلطان ، فاضطربت الأحوال وانتشرت الفتن بين المماليك ودفع ثمنها أهل مصر من الزعر والحرافيش ، فلم ينعموا بثمرة عملهم وثروات بلدهم والحياة الكريمة في ظل هذا النظام الإقطاعي المملوكي.
لقد عمل أولئك المؤرخون خدما للسلطة المستبدة الغريبة عن الشعب المصري سواء كانوا مماليك أو عثمانيين , أولئك المؤرخون لم يكن أكثرهم مصريين ، بل وفدوا إليها بحكم المناصب التى كانوا يتولونها فى خدمة السلطة فى القضاء والتدريس والمناصب الإدارية المختلفة ، وهم بطبيعة عملهم كانوا منحازين للسلطة يشاركونها فى الاستعلاء على الشعب المصري من فلاحين وزعر وحرافيش ، وفى هذا الشعور كانوا جميعا يشتركون ، لا فارق بين مؤرخ مولود في مصر أو قادم إليها ، أولئك المؤرخون خدم السلطان ولّوا وجوههم شطر السلطان يسجلون حركاته وسكناته ويسجلون تفصيلات الأمراء والطبقة الحاكمة ، ولا يلتفتون إلى عوام الشعب المصري الذين يكدّون فى إنتاج الخير للغير ، ولا يذكرونهم في كتاباتهم إلا إذا تعرضوا للقتل ، أي لا بد أن يموت المصري قتلا حتى يلتفت إليه المؤرخون خدم السلطة . وحين يقوم الشعب بثورة على السلطان الظالم فيضطر المؤرخون لتسجيل ما يحدث ـ دون تعاطف فى الأغلب.
      وقد جاءت الفرصة لنصرة هذه الفئة من الشعب المصري التي عاشت مهضومة الحق طوال فترة حكم المماليك ، فقـد عرًفوهم بالدهماء والأراذل ، هؤلاء هم أجدادنا ، ملح أرض مصر ، وأصلها والمستمرون على طول القرون ، فهم كرمال الصحراء تتحمل السير فوقها ، ولكن لو ثارت فهي تعصف بالظالم وتهلكه.
فيجب على كل مصري أن يفخر بأجداده من الزعر والحرافيش ، حيث أنهم كانوا يثورون على الظلم والاستبداد فيواجهون القمع والقتل ولا يجدون الإنصاف من المؤرخين ، في الوقت الذي كانوا يدفعون حياتهم ثمنا لظلم الحكام ، أو تقطع ألسنتهم التي كانت السلاح الأقوى الذي يمتلكونه ، فكانوا يسمعون السلطان ما لا يطيق من العبارات اللاذعة التي تفقده شعوره مما يؤدي ذلك إلى معاقبتهم أشد عقاب وتسميرهم وتقطيع ألسنتهم ، حتى كتب المؤرخون لم تذكر لنا أسماء من تم تعذيبهم وقتلهم ، فهؤلاء الحرافيش هم الثائرون على الظلم في العصر المملوكي فهم أجداد الثوار المصريين في أيامنا هذه ، فهم مثال الفخر والبطولة رغم ما يواجهونه من استعلاء واستبداد المماليك لهم من ناحية وتجاهل المؤرخون لهم من ناحية أخرى.
وهذا نفس ما فعله بيبرس الجاشنكير عندما رمى عليهم أكياس الذهب ليفلت من أيديهم ومن قذائف الحجارة التي يلقونها عليه عقابا لما فعله في سلطانهم المحبوب الناصر محمد بن قلاوون ، ورغم كل ما يتعرضون له من قمع وقتل دفاعا عن رأيهم تجاهلهم المؤرخون ولم يذكروهم ، وإن كانت كتابات المؤرخين ذكرت ذلك لتعرفنا على الكثير من المجازر التي تعرض لها الزعر والحرافيش على يد المماليك ، فهم كبش الفداء الذين تُفرض عليهم الضرائب في الوقت الذي يحرمون من ثمرة جهدهم مما جعلهم يهجرون عملهم نتيجة للظلم الاجتماعي الذي يتعرضون له مما أدى إلى تحولهم إلى شحاذين ومتسولين ليجدوا لقمة العيش ، حيث وصلت درجة فقرهم إلى غربلة الزبالة للبحث عن الفتات.
      وكان حبهم للسلطان يتوقف على الحالة الاقتصـادية السائدة في البلاد ، فكانوا يدينون بالولاء للسلطان إذا صاحبه فيضان النيل ، حيث تكثر الخيرات في البلاد ، خاصة رغيف الخبز ، أما إذا صاحبه قلة مياه النيل تشاءموا بحكمه وأسمعوه العبارات الغير لائقة كما حدث في عهد الناصر محمد بن قلاوون الذين افتدوه بحياتهم لكثرة الخيرات في عهده بعكس بيبرس الجاشنكير الذي سبوه وأخذوا يرددون :
             سلطاننا ركين ونائبه دقين         يجينا الماء من وين
             هاتوا لنــا الأعــرج         يحي الماء ويدحرج .
 مما اضطره للقبض على زعماء العوام فضرب جماعة منهم بالمقارع وجرسهم في القاهرة ، وأمر بقطع ألسنة جماعة منهم ، حتى يكفوا عنه .
      وللأسف الشديد لم تأخذ ثورات الزعر والحرافيش حقها من كتب المؤرخين المعاصرين مما كان سببا في عدم معرفة الكثير عن تفاصيل حياتهم .

لقد تميزت الحرافيش بالوعي السياسي والاقتصادي لما يحدث حولهم من أحداث ، خاصة في الناحية الاقتصادية وتزييف العملة وما يصاحبها من أضرار بالاقتصاد في الدولة ، وهم أول من يعانون من ذلك ، وتنطلق الألسنة بالوقيعة بالسلطان وأرباب الدولة ، خاصة بعد أن استهان مماليك السلطان بشخص السلطان ، فاضطربت الأحوال وانتشرت الفتن بين المماليك ودفع ثمنها أهل مصر من الزعر والحرافيش ، فلم ينعموا بثمرة عملهم وثروات بلدهم والحياة الكريمة في ظل هذا النظام الإقطاعي المملوكي.

الدكتورة / رشا النمكي

ليست هناك تعليقات: