الأربعاء، 28 يونيو 2017

شجر السّرو يُضيء من خلف الواجهات البلّوريّة…. قصيدة للأديبة والشاعرة التونسية عفيفة سعودي سميطي

شجر السّرو يُضيء من خلف الواجهات البلّوريّة…
و من خلف واجهتها كانت تتابع المطر …
و تتابعها…فقد كانت كعادتها في الطّرف الآخر من الطّريق تقفز من الرّصيف إلى الطّريق…
و تمْرُق بين السيارات…
تطْرُق بلّور النّوافذ ضاحكة…و تمدّ لهم أشياء صغيرة…
أضواء الفوانيس تُحوّلها إلى سندريلا …


و إلى بائعة كبريت…
و كل عام تكبر…
في حين أشياءها تظلّ كما هي …
صغيرة…
و لا تتغيّر إلا بتغيّر المواسم و الفصول …
تتابعها من خلف البلّور غائمة… المطر هذه الليلة غزير…
و كانت في الطرف الاخر من الطريق …
غارقة …و ترتجف كفراشة مبتلّة….
لكنّها تطوف و تحوم…
هي أيضاً كانت ترتجف رغم الموقد المتوهّج حذوها….
تنظر الى المسودّات المتناثرة أمامها …
وإلى الأربطة الحريرية الملوّنة المرشوقة في شجرة السّرو …
و إلى وعد خفيّ سرى في روحها منذ زمن بعيد …
و كتمته حتّى تُحوّله في عيد مولده إلى شهقة و قصيد…
المطر يغسل اللّيل و الفوانيس و الشّوارع …
و الطّفلة تقفز دون توقّف…
خصلاتها المبتلّة تقفز معها في كل الاتّجاهات…
ثمّ تعود لتلتصق بوجنتيها اللتين ابيضّتا حدّ الامتقاع…
لا حمرة هذه اللّيلة تُوهّجها…
فقط كثرة القفز تضخّ في جسدها بعض الحرارة…
تتابعها من خلف البلّور بإشفاق كبير…
فقد كانت ترتجف…
و أصابعها المزرقّة تُطْبق على أشيائها الصّغيرة بإصرار كبير…
و نظرت إلى أوراقها …
لم يبق لها سوى بيت شعر واحد …
ومنذ ليالٍ …
وهي تحاول اختزال كل الشّغف فيه…
إنهاء للقصيدة…
حتّى تُعلّقها في شجرة السّرو ….
مع الورود…
و الأربطة الحريريّة…
و كما الثّلوج تأتي مُجمّدة لكلّ شيء….
تسلّل إليه صوت نسائيّ …
ذات مساء مُثْلجٍ …
و أرسل لها كلّ الجليد ….
” انتبهي عزيزتي….
و عذرا…
لَمْ تكوني أبدا دِفْأَهُ الوحيد….
إنّه في كلّ مرّة يسْتوْقِدُ نارا….
خارج أحطابك…”
و نظرت إلى الطّرف الآخر من الطريق …

لا تزال هناك…
تقفز بين خيوط المطر…
و تطرق بلّور النّوافذ المغلقة…
و ضحكتها المرتجفة تسْألهم أن يُنْزلوا البلّوْر و يشتروْا أشياءها الصّغيرة….
لكنّ الصّقيع في الطّريق….
و الدّفء الذي يضخّه التّكييف…
يحول دون إنزال البلّور والنّظر إلى وجهها المقرور…
و وقفت …
و فتحت الباب البلّوريّ الكبير…
هذه اللّيلة…
و لأوٌل مرّة بعد كلّ هذه السّنين…
ستشقّ الطّريق إليها …
و ستمنحها ليلة دفء حذو موقد أحطابه مسودّات شغف غرّير…
و بطاقة تهنئة و أربطة من حرير….
و نظرت إلى الرّصيف…
كانت لا تزال تركض و تقفز…
و فجأة سقط منها شيء…و لأنّ الأطفال…في أحجامهم صغار…
و يغيبون عن الأنظار كلّما انحنوا لالتقاط شيء….
فإنّ سيّارة صاخبة في رأس عام جديد …
لم تنتبه للجسد الصغير المنحني …
وتطايرت في الطريق بطاقات التّهنئة بالعام الجديد…

في حين غرقت الخصلات المبتلّة في سائل احمر لزج غزير…

ليست هناك تعليقات: