الثلاثاء، 23 فبراير 2016

هشام بكر يكتب هل حكومة مصر دائما ً تتطبق المثل الشعبي أخر خدمة الغز علقة ؟


الغز هو اللفظ الذي أطلقه المصريون على فرسان المماليك و لعله اختصار عامي لكلمة “الغزاة” و كان المماليك إذا ما حلوا بقرية أخرجوا أهلها و أجبروهم على العمل لديهم و خدمتهم و كذلك ينهبون منهم الطعام و الشراب بدون مقابل و إذا ما انتهت أقامتهم بالقرية و عزموا على المغادرة فأنهم كانوا يضربون الأهالي و يسيئون معاملتهم كنوع من التجبر و فرض السطوة فصار المصريون فى كل زمان يقولون قولتهم ، و من هنا أطلق المصريون المثل الشعبي أخر خدمة الغز علقة و مثل آخر : اخر المعروف ينضرب بالكفوف ،يعني الظالم مهما تساعده عمره ما هيخلصلك يعني هتاخد من ظلمه لا محالة .

 و عقب قيام ثورة عام 1952 التي قادها ضباط جيش مصريون ضد الحكم الملكي المستبد و الظالم و الفاسد لإرساء قواعد العدالة الاجتماعية  و التخلص من الظلم و الفساد وقف الشعب معهم لتلك المباديء وصولاً للاستقلال الوطني وكان جمال عبد الناصر عنوانا لتلك المباديء ورغم انه كان ديكتاتورا كتم اصوات المعارضة الا ان الشعب وقف معه لانحيازه للفقراء و الشعب بمنطق الديكتاتور العادل ومات وهو فقير لم يغتني من السلطة ، وحتي عند قيام جيوش ثلاث دول بريطانيا و فرنسا و اسرائيل عام 1956 بمحاولة هزيمة جمال و جيش مصر تضافر الشعب مع قواته و استطاع الجميع هزيمة الجيوش الثلاثة و قاموا بإذلالهم .
وفي عام 1973  و في نهاية حرب أكتوبر، حينما تمكن الجيش الإسرائيلي من تطويق الجيش الثالث الميداني من خلال ما عرف بثغرة الدفرسوار، وكانت بين الجيشين الثاني والثالث الميداني امتدادا بالضفة الشرقية لقناة السويس و كان الطريق مفتوحاً أمام الجيش الاسرائيلي للوصول للعاصمة  القاهرة و احتلالها و قلب الهزيمة لنصر ، ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس-القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة، خاصة بعد فشل الجنرال أرئيل شارون في الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلي في احتلال مدينة السويس بفضل انضمام الشعب المصري و أهالي السويس و الإسماعيلية للمعركة مع الجيش في مقاومة بطولية  ضد الجيش الإسرائيلي أدت في النهاية لتصفية الثغرة و النصر الكامل في حرب أكتوبر  .
و بعد ثورة يناير 2011 و انضم الجيش للشعب في الثورة ضد ظلم و استبداد مبارك و فشله في إدارة شئون البلاد في آخر عشر سنوات و تغليبه مصالحه و مصالحه أسرته و الحزب الوطني و خصوصا رجال الأعمال منهم علي باقي الشعب في عنصرية أقرب إلي أيام الملك ورجاله ، وكان واضح من أحداث الثورة انحياز الجيش للثورة ضد مبارك  لشعورهم بالظلم أيضاً ورغبته في تولي جمال الحكم في توريث واضح للسلطة ، وفي 30 يونيو 2013 أنضم غالبية الشعب لقادة الجيش في الثورة ضد حكم الأخوان الذي رأي منه الشعب ان يغلب حكم و مصالح طائفة الأخوان علي باقي الشعب ، ووقف الشعب مع الجيش و الشرطة ضد الهجمة الشرسة من الميليشيات المسلحة الممولة عالميا لإسقاط الجيش المصري  بل خرج بالملايين إلي الشوارع  استجابة لنداءات قادة الجيش لمؤازرته ضد الهجمة العالمية عليه ، وكانت صورة تلك الملايين هي الرسالة التحذيرية للأسطول الأمريكي الذي تحرك ناحية قناة السويس ، لتعلم أمريكا أنها لن تواجه الجيش المصري فقط بل الشعب المصري مما جعل أمريكا تنسحب بقواتها ، و لم يكتفي الشعب المصري في تقديم تضحياته بل واصل في عظمه أذهلت العالم في الخروج رغم انه مدني و لا يحمل سلاحاً لحماية أقسام الشرطة و المنشآت و التضافر مع الجيش في الحفاظ عليها و كم من صنوف من العذاب تعرض لها و كم من تضحيات دفعها من النفس و المال في سبيل ذلك .
و فاقت الدهشة التوقعات مع هذا الشعب العظيم حينما استجاب الشعب لدعوات السيسي في التبرع بالمليارات لصندوق تحيا مصر و إيداع المليارات  في شهادات استثمار قناة السويس .
و الآن بعد كل تلك التضحيات التي دفع الشعب أرواحهم و أموالهم في الثورات لإسقاط أنظمة عنصرية  لا تقيم عدالة اجتماعية و تعلي طائفة عن باقي الشعب ، و وصول السيسي إلي السلطة  و مرور عام و ثمانية شهور  علي حكمه مازالت الأمور كما هي من فساد و تسيد طوائف علي باقي الشعب ، و لا يلاقي الشعب صدي لصراخات معاناته إلا التكبيل و القوة بالسلاح التي ترهبه و تلقي بالكثير في السجن بينما الطوائف المحظوظة من القطط السمان من أيام مبارك فوق الحساب و القانون و المسئولية رغم انها لم تحمي مبارك  أو مرسي حينما ثار الشعب عليهم ، و لم تستطع حماية الجيش في مواجهة القوي العالمية كما فعل الشعب عبر التاريخ .
ما اسقط العراق و ليبيا و سوريا هو استهانة النظام الحاكم بشعبه و استفحاله بطوائف و عناصر يعليها علي باقي الشعب و عند غدر القوي العالمية بتلك الأنظمة و دخولهم لمحاربتهم لم يجدوا الظهير الشعبي الذي يحميهم كما فعل الشعب المصري العظيم علي مر التاريخ ، و الذي يجد الآن من الحكومة الحالية و القطط السمان القهر و الاستعباد و الاستبداد و الفساد و الفشل في ادارة شئون البلاد  .
تحت شعار أن الحكومة لاستطيع تحمل الدعم لعجز الموازنة تم غلاء الأسعار للسلع الأساسية و الخدمات من كهرباء و مياه ، رغم مئات المليارات في الصناديق الخاصة للقطط السمان في الدولة التي تدخل في جيوبهم ولا يدخل الميزانية الا 10% منها و بعضها لا يدل في الميزانية أي شيء لأنها تابعة لجهات سيادي ، و الصناديق الخاصة عبارة عن أملاك عامة في الأصل مملوكة للشعب ، ترزية القوانيين شرعوا قوانين لها لتصبح ملكية خاصة لبعض الأفراد من القطط السمان لتدخل لجيوبهم الخاصة ، و حتي  تلك القوانين تم انتهاكها و وجدت كيانات لملكيات عامة لا تخضع لأي قوانيين و تدخل في جيوب القطط السمان ، لو صدقت النوايا و ردت الحكومة الحالية و رئيسها الجميل للشعب وضم مئات المليارات لموازنة الدولة ما احتاجت الدولة لرفع الأسعار علي الشعب الذي لا يجد قوت يومه .
ومئات المليارات التي تذهب لتمويل صفقات السلاح للجيش ثارت الأقاويل أن الإصرار عليها رغم عجز الموازنة الحاد يرجع إلي عمولات السلاح كشف تقرير أصدرته "منظمة الشفافية الدولية" مؤخرًا عن ترتيب الدول العربية التي فشلت حكوماتها في محاربة فساد صفقات التسلح والدفاع، وجاء ترتيب الدول العربية الأقل فسادًا "الكويت، لبنان، والإمارات العربية المتحدة" وكان تصنيفهم "خطرًا"، بينما أدرجت تحت خانة "خطر مرتفع" كل من "الأردن، فلسطين"، وضمت القائمة بتصنيف "خطر مرتفع للغاية" البحرين، العراق، عُمان، المغرب، تونس، قطر، المملكة العربية السعودية، أما في خانة "الأعلى فسادًا" فجاءت "الجزائر، مصر، ليبيا، سوريا، اليمن".
 وفيما يخص الشأن المصري أوضح خبراء سياسيون وقانونيون أن قانون "عمولة السلاح" معروف لجميع رؤساء دول العالم، وهذا لا يعاقب عليه القانون؛ لأن المجالس النيابية في جميع دول العالم تعطي لرئيس الدولة الحق في شراء وعقد صفقات السلاح، وذكرت بعض التقارير السابقة حول التحقيقات مع الرئيس السابق "حسني مبارك" بشأن اتهامه بالحصول على عمولات من بيع صفقات السلاح لمصر وصلت إلى 35%، قال: أنا - والكلام لمبارك - لم أرفع نسبة العمولة عما كان يأخذه الرئيسان الراحلان "جمال عبد الناصر، وأنور السادات"، والبرلمان كان يعطيني هذا الحق، وأشار الخبراء أن العمل بنفس القانون بعد الثورة في عهد الرئيس السابق "محمد مرسي" و بالطبع في عهد الرئيس الحالي السيسي يجعل من كل رئيس عربي "تاجر سلاح" بغطاء قانوني، وله سلطة شراء السلاح والتعاقد عليه دون حسيب أو رقيب.
د. عبد الله الأشعل، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأمريكية قال: إن صفقات السلاح باب سري وخلفي للحصول على أموال الشعوب العربية، وتُعتبر صفقة السلاح الروسي مع العراق أحدث صفقة عربية يشوبها فساد بين وزير الدفاع ومستشار رئاسة الجمهورية، حيث أكدت اللجنة القانونية العراقية أن نسبة العمولة بلغت 10 % من قيمة العقد الذي تم توقيعه بالأحرف الأولى فقط لضمان السرية، مشيرًا إلى أن ثروة الرئيس المصري السابق "حسني مبارك" أغلبها من عمولات في صفقات السلاح، وصفقة تصدير الغاز لإسرائيل، وصفقات عقارية في مناطق الاستثمار السياحي في الغردقة وشرم الشيخ، بالإضافة إلى أنه كان أكبر وكيل للسلاح في مصر بحكم وضعه كرئيس للبلاد، ويأخذ عمولته بالقانون المشبوه الذي أعطى لرئيس الجمهورية الحق في عقد صفقات السلاح مع الدول الأجنبية، وللأسف ما زال القانون معمولًا به في البلاد ويتيح لكل رئيس أن يتحول إلى تاجر سلاح وتتضخم ثروته خلال مدة قصيرة في حال إبرام عقد توريد أسلحة إلى البلاد.
وكشف حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، عن وجود مرسوم ملكي منذ عهد "السلطان حسين"، يتيح لرئيس البلاد الحق في الحصول على سمسرة وعمولة تقدر بـ 5% عن كل قطعة سلاح تدخل البلاد حتى ولو كانت رصاصة، مؤكدًا أن العمولات نظير عبور السفن الحربية من قناة السويس أو عند إبرام صفقات للسلاح إلى مصر، نظرًا لأن القانون المصري يلزم أي سفينة حربية‏ مهما كانت جنسيتها‏‏ أن تحصل على موافقة رسمية من وزارة الدفاع المصرية حتى تتمكن من العبور، وأيضًا عبور حاملات الطائرات والغواصات التي تعبر تحت المياه، رغم أن قوانين العبور في قناة السويس تحتم على الغواصات الظهور على السطح وعبورها مكشوفة، ولكن نظرًا للأسرار الحربية تم استثناؤها من قبل وزارة الدفاع المصرية.
و قد فعلت الحكومة الحالية فعلة من سبقها الساقطين بالارادة الشعبية فقد خالفت المعني الحقيقي و القانوني للحكومة وفرضت نفسها وفشلها في الإدارة علي الناس بالقوة ، الحكومة هي الهيئة التي تمتلك القوة/الشرعية لفرض الترتيبات والأحكام والقوانين اللازمة للحفاظ على الامن والاستقرار فى المجتمع و تنظيم حياة الأفراد المشتركة.

       
والحكومة لا تستطيع خدمة جميع الأهداف في آن واحد. فتحقيق المساواة يتضارب مع مصالح بعض أفراد المجتمع. والحكومة الناجحة هي التي تستطيع الموازنة والتوفيق بين الغايات المعلنة. ولهذا، فإن الحكومة الدستورية ترجع لمبادئ متفق عليها مع أفراد المجتمع لكي تحظى بالطاعة من خلال "حكم القانون". والقانون لا بد أن يكون عادلا، بمعنى أن إصداره كان من أجل غاية عادلة ومقبولة، وأن تطبيقه يشمل جميع الأفراد دون استثناء
والحكومة بحاجة لشرعية من نوع ما لكي تتمكن من القيام بدورها لحفظ الأمن ورعاية المصالح المشتركة لكي يستطيع أفراد المجتمع من تسيير شؤون حياتهم.
ومن ثم الحكومة والسلطة التي تصدر قوانين لا يتبعها أحد ليست حكومة وليست سلطة.
و المؤسسة الحاكمة التي تفرض قوانينها بالقوة على أفراد المجتمع ودون شرعية، تتحول من وضع الحكومة الشرعية وتقترب إلى وضع الجيش المحتل وبالتالى فهى بحاجة لتوظيف قواتها بصورة مستمرة لفرض قوانينها على أفراد المجتمع.
أما الحكومة الشرعية فهي تلك التي يعترف لها أفراد المجتمع بحقها في إصدار القرارات وتسيير شؤون المجتمع.
و الآن يا سادة هل يستحق الشعب المصري بعد ما بذله  لكم من دماء و تضحية بالمال لتصلوا للسلطة أن تحكموا العقل و تركنوا شهوة الطمع و لا تعطوه جزاء أخر خدمة الغز علقة!
وهل أرتد العالم لشريعة الغاب البدائية و يقتل قابيل أخاه هابيل للاستئثار بالدنيا ليكون من أصحاب النار و أسلحته و يحكم بسلطانهم بأمر الشيطان !

ليست هناك تعليقات: