الأحد، 3 يناير 2016

المصارف الأميركية تعاني أزمة وتبحث عن دور جديد

«سويت غرين» هو واحد من أحدث مطاعم الوجبات السريعة في الولايات المتحدة، والذي شهد ازدهاراً واسعاً بسبب تقديمه أطباقاً مبنية على الخضار. لكن نوع الوجبات ليس التحديث الوحيد الذي يقدمه هذا المطعم، إذ قدّم القيمون عليه تطبيقاً يمكن تحميله على الهواتف الذكية. وبهدف تحفيز الزبائن على تحميل التطبيق واستخدامه في عملية تسديدهم ثمن الأطباق، قدّم المطعم تخفيضات بقيمة 10 في المئة لكل من يستخدم التطبيق.
 أما محاولة نشر التطبيق الذي يسحب المال تلقائياً من بطاقة الزبون الائتمانية، فتعود إلى أن إدارة «سويت غرين» لا تقبض في كل مرة يشتري منها الزبون، بل تقبض بعد كل عشر مرات أو بعد مرور 60 يوماً على آخر عملية شراء. ولأن البطاقات البلاستيكية التي تقدمها المصارف تقتطع من البائع مبلغاً ثابتاً على كل عملية بيع، بغض النظر عن قيمة المبيع، يوفر «سويت غرين» 90 في المئة من الرسوم التي يسدّدها للمصارف التي تصدر هذه البطاقات، بتقديمه كل عشر عمليات مبيع على أنها واحدة.
هذه واحدة من الطرق العديدة التي سهّلتها التقنيات الحديثة للالتفاف على الرسوم المختلفة التي تجني بموجبها المصارف جزءاً من أرباحها. كذلك، وجدت المصارف الأميركية أنها في صراع مع برنامج «آبل باي» الذي أصدرته شركة «آبل» أخيراً، في وقت دخلت شركة «أمازون» للمبيعات على الإنترنت في اتفاق مع مؤسسات عديدة تستخدم بموجبه الأخيرة «ملف الزبون» الموجود لدى «أمازون»، ما يوفر على الزبون عملية إدخال بياناته الشخصية والمالية.
مثلاً، جمع موقع «ويكيبيديا» التبرعات كما يفعل سنوياً، وكان يمكن المتبرعين الضغط على شارة «أمازون» لتسديد التبرعات، وهو ما يحرم المصارف من جني رسوم التبرعات عبر الإنترنت. وعلى مدى العقد الماضي، دخلت الشركات الكبرى، ومنها «أمازون» و «فكتوريا سيكريت»، في عملية إصدار بطاقاتها بالتعاون مع الشركات الائتمانية مباشرة، ما حرم المصارف من رسوم كبيرة.
هكذا، فرضت المصارف رسوماً بديلة، خصوصاً على الزبائن، لاستبدال ما اقتطعته منها الشركات الكبيرة مثل «سويت غرين» و «أمازون»، ففرضت «رسم خدمة شهرية» على الحسابات الجارية التي ينخفض رصيد أصحابها تحت 1500 دولار، وفرضت رسماً مقطوعاً قدره 15 دولاراً عل مستلمي التحويلات المالية، وهو يُضاف إلى رسم آخر يسدّده من يرسل التحويل.
وتعمل المصارف الأميركية على إخفاء الرسوم التي تفرضها من البيانات الإلكترونية، فمثلاً تظهر آخر خمس عمليات سحب ما لم يضغط الزبون على توسيع الصفحة لمعاينة شاملة يرى بموجبها رسوم المصرف.
مع كل هذه الرسوم، ما زال قطاع المصارف في الولايات المتحدة وأوروبا يعيش كابوس 2008، الذي لا يبدو أنه يقترب من نهايته، إذ تظهر الأرقام أن تقلّص الأرباح ما زال يجبر المصارف على الاستمرار في إنهاء خدمة موظفيها، فطردت المصارف 100 ألف عامل لديها العام الحالي، في وقت يتوقع المراقبون أن تستمر عملية نزيف القوة العاملة في المصارف على مدى العام المقبل، خصوصاً مع تشديد أوروبا شروطها لناحية توسيع الاحتياط النقدي لكل مصرف، ما يجبر المصارف على البحث عن أرباح تدر عليها سيولة يمكنها تجميدها للإيفاء بالمتطلبات القانونية.
ما السبب الذي جعل المصارف تتحوّل من قطاع مزدهر يجني أرباحاً طائلة، إلى قطاع يتحايل على زبائنه لاقتطاع قروش من هنا أو هناك؟ السبب الأول قد يكون ازدهار الأسواق المالية كمصدر استدانة للشركات، فهذه الأخيرة عندما تسعى الى جمع رأسمال، لا تذهب إلى المصارف، كما في الماضي، بل تفعل ذلك في السوق، وهو ما حصر دور المصارف في إقراض الأفراد لشراء ممتلكات فردية كالسيارات والمنازل. لكن شركات السيارات بدورها، افتتحت لنفسها فروعاً مالية تعمل بمثابة شركات دائنة لزبائنها، ما حصر سوق المصارف بالساعين الى الاقتراض لشراء المنازل.
على أن دخول أسواق المال على خط قروض الإسكان، والمصارف على خط المضاربة في أسواق المال غالباً باستخدام أموال المودعين، أدى إلى عمليات إقراض مصرفية متهورة ومضاربة، وهو ما ساهم في خلق فقاعة عقارية أدت إلى الركود الكبير في خريف 2008.
منذ ذلك التاريخ، أقرّت السلطات التشريعية في أميركا وأوروبا قوانين حرّمت على المصارف المضاربة بأموال المودعين، ما حرم المصارف أرباحاً طائلة. ومع تعثّر سوق المنازل، وخسارة أرباح المضاربة في الأسواق المالية، ولعب الأخيرة دور المموّل للشركات الكبيرة، وخسارة المصارف قطاعات واسعة قامت بخلق أنظمة جمع رؤوس أموال لها، مثل شركات التكنولوجيا الجديدة في «سيليكون فالي»، ومع إبقاء المصارف المركزية الفائدة منخفضة في شكل أبعد المصارف من ركن أموال مودعيها لدى الحكومات لاقتطاع جزء من عائدات الفوائد على هذه أموال، أصبحت المصارف من دون دور مالي واضح.
ورافق تقلّص المساحة المالية التي يمكن المصارف تحقيق الأرباح فيها، صعود التكنولوجيا، فحلّت ماكينات الصراف الآلي مكان موظفي «الخط الأول» في المصارف، وتكفّلت الإنترنت بالقضاء على الجزء المتبقي من دور موظفي المصارف، فراحت هذه المصارف تنهي خدمة موظفيها وتغلق فروعها.
وحتى تجد المصارف دوراً مالياً جديداً لها، وحتى يتقلّص حجم المصارف ليتناسب مع واقع التقنيات الحديثة، وحتى ترفع المصارف المركزية فوائدها، وحتى تعود سوق المنازل وقروضها إلى سابق عهدها، ستبقى المصارف غارقة في وضع صعب، وستستمر في إنهاء خدمة عدد متزايد من موظفيها.

ليست هناك تعليقات: