الاثنين، 25 يناير 2016

كيفَ لا تموتُ عائشة بعدَ كل هذا الحنين ؟! بقلم : د. محمد حرب الرمحي


كـ قارئة الروح ، أمسكت مرآتي بملامحها ؛ فهمسَ الوطنُ : هل ماتت أمُّكَ يا محمد ؟!

طأطأت دموعي رأسها ، وتنهدت أبتسامتي على حافةِ الـ " اللا " بـِ " نعم " !

يا سيّدي ،،،


كيفَ لا تموتُ .. من علّقت منديلها على جذع آخرِ زيتونةٍ ، وهي تعبرُ نهرَ الأردنِ وعنقها كمؤشر البوصلةِ لا يبرح فلسطين التي تركتها خلفها بركبتينِ تلامسان التراب وكفاً مبتورة ، وأخرى تصافح الريحَ شراعَ وداع ؟!

كيف لا تموتُ .. من حملت أجنةَ الترابِ في رحمِ الذاكرةِ أثراً ، من ظلِ حبةِ قمحٍ نسيّها الزارعونَ القُدامى ؛ فجلست تُجدّلُ السنابلَ على قارعةِ النسيان في 67 عاماً ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من حاكت خرز الدموعِ بخيطِ صَبرِها ، ذاتَ نكبةٍ فنكسةٍ فخيبةٍ ، وهي تروي عطشَ الذكريات بتيمم اليأسِ في كلِ صلاةِ غائبٍ ذهبَ عريساً فعادَ في كفن ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من نامت على مسطبةِ الحياةِ على جنبها الأيمنِ ومخدتها كفها اليمنى ، وقد تركت يُسراها جسراً يمتدُّ بين الغيمِ والغيمِ إذاناً لمطرٍ قد يأتي ولا يأتي ، ولقمرٍ قد يُشرِق ولا يُشرِق ، ولوطنٍ قد يصلُ الليلةَ ولا يصِل ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من أحنت ظهرها للهِ خمس مراتٍ باليوم ، ولحزنها ألف مرةٍ باليوم ، ولتأملِ الأرضِ آلاف المراتِ باليوم ، وللنهرِ المعلقِ في أصابعِ قدميها كلَ هذا العمر ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من أنجَبت أحدَ عشرَ كوكباً وغيمتين ، وخلفَ نافذةِ شتائِها تركت باباً للريحِ والعابرينَ من الصقيعِ إلى الصقيع ! وخارطةً من الأشواقِ ترسمُ خطوةَ المجهولِ للمجهول ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من صَدَعت لأمرِ الغيابِ ، حين أعتلى مئذنةِ صَبرِها صوتُ أذانِ الوطنِ المبحوحِ صداهُ ، من أولِ منفى لآخرِ منفى ، ومن أولِ خائنٍ باعَ ذكرياتِها لآخرِ عرّابٍ دخلَ سوقِ عُكاظ ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من أجلّت موتها مرتين من أجلِ فلسطينَ وأولادها المُشردينَ في مشارِقِ النبضِ ومغارِبِ لغةِ الدم ، ومن أجلِ لقمةِ الكبرياءِ المُرّةِ وعلقمِ الأملِ الذي يمشي على عكازتينِ وعصا موسى ؟!

كيفَ لا تموتُ .. من وجدت نفسها على حينِ نظرةٍ ، بلا عينين ، بلا شفتين ، بلا قدمين ، بلا يدين ، بلا نافذتينِ تُطلانِ على كرمةِ اللوز والعِزِّ ، والليلِ الذي فتحَ قمصانِ عتمتهِ للضوءِ الأزرقِ القادمِ من جيناتِ عَبَدةِ الشيطانِ وصلواتِ العيونِ الزرقاء ؟!

كيفَ لا تموتُ أُمي عائشة وهي المشتاقة لوجهِ الله، وأكفِ الملائكة، والمشتاقة لغسل قدميها في نهر الكوثر ؟!

كيفَ لا تموتُ أُمي عائشة .. بعدَ كل هذا الحنين الثقيلِ فوقَ قلبِها ، قلبها الذي تضخّمت عضلتهُ من ثِقلِ الحنينِ والأنينِ ومن حملِ قبةِ الصخرة ؟!

لروحكِ السلامُ يا أُمي .. لكِ الشفاعةُ من أناهيدِ السماءِ .. ولي سلوان دموعِ الملائكةِ ..

أملاً لا أقطعهُ يوماً .. مادام حبلي باللهِ موصول .

ليست هناك تعليقات: