الأربعاء، 30 ديسمبر 2015

هشام بكر يكتب :سلطة أبوية من غير مسئولية و الفوضي و التكتلات العصبية


قيام الثورات العربية أو غليان الناس بالعصيان المدني في البلاد العربية ، سببها تغليب فئة أو فئات في المجتمع من نادي القطط السمان عددهم لا يتعدي الآلاف علي باقي الشعب بالملايين ، و إصرار الحكومات علي سياسيات القوة الغاشمة أو الناعمة حسب الضغوط الدولية ، في القضاء علي أصوات الناس المنهوبة خيرات بلادها في جيوب و بطون الحكومات .
 و تتلون القطط السمان ما بين الانتماءات حسب لون السلطة الحاكمة للسيطرة عليها ، و تسقط الشعوب السلطات الظالمة و لكنها تعود في أشكال أخري لتستغل القوة في السيطرة علي الشعوب من جديد لتظل سادة الناس و حاملي مفاتيح خزائنهم .
أن كثير من الحكومات العربية مازال همها مصالحها دون مصالح شعوبها فالرخاء الحقيقي الذي تسعي له رخاء مجموعاتها من الشعب دون الباقي و من يعترض أو يضج بالشكوي مصيره السجن أو الاختفاء أو دفعه للهجرة خارج البلاد  .
ورغم التجارب الآليمة للشعوب و الحكومات العربية في تدني و التخلف عن باقي الشعوب في العالم بسبب تلك السياسيات ، و رغم معاناة حكام عرب بسبب انتماؤهم العصبي و القبلي لفئة من الشعب ورفعهم عن الباقي، و المتمثل في تقبيل أيادي أمريكا و روسيا و العالم الغربي و خيانة أوطانهم أو العزلة أو العزل من شعوبهم دون حماية من الأمن و العصبية التي تحميهم أو من الدول التي خانوا بلادهم من أجلها ، إلا ان  هؤلاء الحكام ما زالوا يمارسون سلطتهم الأبوية و العصبية علي الناس و يقهروا و يستبيحوا أموال وحقوق شعوبهم بلا أدني مسئولية في رعاية مصالحهم .
لا تقف مشكلة المجتمع المدني عند حدود القبلية فقط، لكنها تمتد كي تشمل دور السلطة في المجتمعات العربية، وهي سلطة أبوية استبدادية تبتلع المجتمع المدني، إذ ترى فيه تهديدا لوجودها ولبقائها، والسلطة تبتلع المجتمع كله وتكاد تسخره لصالحها ولحسابها، وتحاول أن تقوي من شأن العصبية لأنها تضمن بقاءها ووجودها.
يشكل النظام الأبوي "البطريركي" بنية اجتماعية وسايكولوجية متميزة تطبع العائلة والقبيلة والسلطة والمجتمع في العالم العربي وتكون علاقة هرمية تراتبية تقوم على التسلط والخضوع اللاعقلاني الذي يتعارض مع قيم المجتمع المدني واحترام حقوق الانسان
ومن الناحية البنيوية فالنظام الأبوي يتكون من طرائق التفكير والعمل والسلوك ويرتبط بنمط معين من التنظيم الاجتماعي والاقتصادي التقليدي السابق على الرأسمالية. وهو يتخذ من المجتمع العربي شكلا متميزا يقابل المجتمع الحديث، من خصائصه قابليته على الاستمرار وعلى مقاومة التغير
تمتد جذور النظام الأبوي في العالم العربي الى النظام القبلي الذي يقوم على صلة الدم والقربى والعصبية القبلية، وتكون من شروط تاريخية وجغرافية وثقافية وذلك عن طريق سيطرة الثقافة البدوية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن طريق نظام القبيلة ( المشيخة)الذي كان بديلا للدولة وادارتها كتنظيم اجتماعي يقوم على القيم والعصبيات والعلاقات العشائرية.
وبالرغم من إن الإسلام حاول تغيير البنية القبلية وجاء بمفهوم "الأمة" بديلا لمفهوم العصبية القبلية، الا ان النظام القبلي بقي مهيمنا على المجتمع والدولة حيث استمرت القيم والتقاليد في تأثيرها على العلاقات الاجتماعية. كما استمرت الصحراء العربية برفد القرى والارياف بموجات بدوية مستمرة خضع لها سكان الارياف والمدن وتأثروا بقيمها واعرافها وعصبياتها وذلك بسبب ضعف الدولة المركزية، بعد سقوط الدولة العربية ـ الاسلامية وعاصمتها بغداد على يد هولاكو عام 1256 مما سبب هيمنة النظام القبلي والمحلي على المجتمع وبصورة خاصة على بنية العائلة الممتدة في علاقاتها الاجتماعية والاقتصادية واستمرت حتى العصر الحديث، بالرغم من دخول كثير من عناصر التحديث اليه، لان الدولة الحديثة ما زالت لم تكتمل وتنضج بعد، وكذلك مفهوم الوطن والمواطنة والهوية، التي ما زالت مفاهيم هلامية اولا، ولان تركيب بنية العائلة العربية في شكلها الأاولي لا يختلف كثيرا عن تركيب بنية القبيلة العربية لعصر ما قبل الاسلام، الا في بعض مظاهرها الخارجية التي تأثرت بالتحديث، وليس في سلوكها ومضامينها وقيمها وذهنيتها ثانيا. كم ان النظام الأبوي هو بنية سايكولوجية ناتجة عن شروط تاريخية وحضارية نوعية تكونت من مجموعة من القيم والاعراف وانماط من السلوك التي ترتبط بنظام اقتصادي تقليدي له خصوصية وبواقع اجتماعي حي، وليس مجرد خاصية من خواص نمط انتاج معين بالعالم العربي

 الحاكم العادل أو حتى الديكتاتور العادل
مازالت كثير من الشعوب العربية تبحث عن الحاكم العادل الذي يراعي مصالحها و يحمل لهم النماء في عدالة إجتماعية توفر رغد العيش للجميع  في فرص متساوية ينالها كل من يسعي اليها بكفاءة دون وساطة ولا محسوبية عصبية أو قبلية ، أو حتي ديكتتور عادل يجمع في يده كل السلطات و لكنه يصل بالحقوق لأصحابها دون اعتبار لعصبية أو قبلية .
لازلت أذكر درس في علم  الفلسفة الذي سمعت فيه أول مرة مصطلح "الديكتاتور العادل"، قبلها كنت أظن أن كلمة ديكتاتور التي تعنى بالإنجليزية "ذلك الذي ُيملى"
وتستخدم باختصار بمعنى الحاكم مطلق السلطات الذي ينفرد بالسلطة واتخاذ القرارات ،أننا في حاجة إلى تغيير جديد، نحن في حاجة إلى قائد قوى الشكيمة يجمع الناس على كلمة رجل واحد، قائد لا يسمح بما يدور من حوارات وجدل وآراء سوف تودي بنا إلى الانهيار
يقوم بتوزيع الحقوق بالعدل على الناس أجمعين ولن يختص نفسه وأقاربه بالمال والجاه والسلطان بدعوى أن العدل المتسلط يحتاج إلى الثروة لضمان الوجاهة أمام العالم وأن الإغداق على الأقارب ضرورة حتى لا ينقلبوا عليه.
وما زال الشعوب العربية تعي تجارب محمد علي ومن بعده جمال عبد الناصر في تجسيد لهذا النموذج من السلطة .
و نموذج سنغافورة في النمو الاقتصادي وكبح جماح الفساد مصدر إبهار لكثير من الدول النامية والأسواق الناشئة، بما في ذلك الصين ذاتها. فالحكومات، ودعاة الإصلاح، وكثير من المواطنين، يودون أن يولى أمورهم زعيم على شاكلة لي كوان يو، بمعنى أن يكون حاكماً قوياً قادراً على إقامة دولة الرفاهية، دون أن يُستدرج إلى ما يراه ناقدو النظم الديمقراطية من مثالب تتمثل في اتساع نطاق الجدل وفقدان القدرة على الحسم في اتخاذ القرارات
وأسطورة ماليزيا الدكتور مهاتير محمد لم يكن حاكما ديمقراطيا بالمعنى الذى نحلم به نحن الآن، مهاتير كان أقرب للديكتاتور العادل الذى يتخذ قرارات وطنية وسريعة وعادلة، دون النظر إلى معارضيه داخل وخارج حكومته.

الشعب كلمة السر في ضمان رخاء الحكومة و البلاد العربية
ان كل حكومات البلاد العربية التي سقطت بالثورات أو من خصومهم السياسيين من نادي القطط السمان داخليا وخارجيا ، تجاهلوا قوة الشعب و أنحازوا لقوة عصبيتهم وفئاتهم ، فانسحبت الشعوب من حولهم وتركتهم يخوون معاركهم وحدهم دون منعة أو حماية من شعوبهم التي لها الكلمة العليا في حسم أي معارك علي الأرض و ليس كلام شعارات أو نظريات تخدير بل هو واقع  عشناه في مصر في العدوان الثلاثي علي مصر في عام 1956 حينما هاجمت جيوش ثلاث دول إنجلترا و فرنسا و إسرائيل مصر و خرج لشعب ليقاتل مع الجيش وهزم جيوش الثلاث دول وقد تكررت التجربة في بلدان عربية كثيرة قديما وحديثا ، أما الحكومات التي تقهر شعوبها و تغلب العصبية القبلية لفئاتها عن باقي الناس سقطوا أو في طريقهم للسقوط .
و الآن يا سادة يا من تتمنون الاستمرار في السيادة ، حصنكم و منعتكم هي الشعوب و تقدم و رخاء البلاد العربية كلمة السر فيه هو الشعب هل من متذكر  ؟! بدلا من الفوضي التي يعيشها كثير من البلاد العربية بسبب بحث الحكومات عن مصالح فئاتها وعصبيتها مع سياسيات تقسيم التورته وترك الشعوب علي التراب .

ليست هناك تعليقات: