الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

أدولف هتلر... إمرأة في فرنسا !!


مارين لوبن لا تحتاج الى شاربين لتغدو على شاكلة الفوهرر. المفاجأة ان الصحف الفرنسية التي لم تعد بألق ايام زمان، ولا بتأثير ايام زمان، فاجأتنا بعنوان واحد تقريبا «الصدمة»، كما لو ان زعيمة الجبهة الوطنية هبطت من كوكب آخر، وكما لو ان غلاف «النوفيل اوبسرفاتور» لم يكن، لفترة خلت، «صدمة القيم».
لا قيم في السياسة (او السياسات) الفرنسية. منذ سنوات و المهاجرون من شمال افريقيا يوصفون بالرعاع. نيكولا ساركوزي تحدث عن «الحثالة»، وشارل باسكوا استنّ تشريعا للترحيل. آنذاك كتب الطاهر بن جلون في «اللوموند». قال ان امه بعثت اليه برسالة الى باريس حيث يقيم. سألته «ماذ تفعل هناك؟».
رد بأنه باق لكي ترحل معه المفردات العربية الاربعة آلاف التي استقرت في البنية الجيولوجية، والفلسفية، للغة الفرنسية. سأل «ماذا يصيب هذه اللغة اذا ما رحلت تلك القافلة من الكلمات معنا؟».
هذا يجعلنا نتوقف عند دعوة المرشح الجمهوري الاكثر استقطابا، والاكثر تهتكا، والاكثر غباء، والاكثر نزقاً، دونالد ترامب، منع المسلمين من الدخول الى الولايات المتحدة. العرب هم الذين يعنوننا هنا. ايها السيد ترامب لماذا لا تدعو الاميركيين الى الرحيل عن ظهور العرب؟
ربما كانت معاناتنا نحن الذين يسكننا الشغف بالثقافة الفرنسية، وبالانفصال بين الدولة والكنيسة (بالرغم من سيطرة القرون الوسطى على الكثير من الرؤوس)، اكثر بكثير من معاناة الفرنسيين الذين باتوا يهللون لساركوزي حين يستضيف خيمة معمر القذافي في باحة الاليزيه، وحين ينحدر هولاند ومعه لوران فابيوس بالسياسة الخارجية الى اقصى الزبائنية، واقصى الانتهازية، واقصى الدونكيشوتية...
لطالما كان التاريخ في فرنسا مدويا. من لويس الرابع عشر الى نابليون بونابرت، ومن جورج كليمنصو الى شارل ديغول. الان فرنسوا هولاند الذي عبثاً نحاول البحث عن مزاياه، كعاشق رديء، وعن رؤيته كسياسي يصل تسللا، وبما تعنيه الكلمة، الى رئاسة الدولة...
الفرنسيون الذين ابدلوا، وباشارة من واشنطن، دومينيك دوفيلبان، بشخصيته الفذة، والديناميكية، والشفافة، والممتلئة، بتمثال من الشمع يذوب حتى وهو في الظل...
على الاقل، مارين لوبن لا تلجأ الى الاقنعة، ولا تضع اللوفر في المزاد العلني، ولا تطيق برنار-هنري ليفي، الحاخام الذي يلعب، فلسفيا، في ادمغة الكبار. لاحظنا كيف سقطت الوردة الحمراء، وهي شعار الحزب الاشتراكي، وكيف قالت «لوكنار انشينه» ذات يوم «انها الوردة العرجاء» على ايقاع البطة العرجاء...
هكذا جعل فرنسوا هولاند فرنسا البطة العرجاء. البحث في الزوايا، وتحت العباءات، عن الصفقات.احدهم كتب انه يمارس السياسة على طريقة متسكعي الارصفة (les clochards) . في انتخابات المناطق كان سقوطه مدويا حتى ان حزبه اضطر للانسحاب من منطقتين محوريتين من اجل اقامة كونسورتيوم انتخابي في وجه مارين لوبن التي تصر على ان تصل على صهوة حصان، لا على ظهر ذبابة، الى الاليزيه. هكذا قالت...
فرنسوا ميتران هو من استخدم تعبير «قوة الاشياء» على انها الاستطراد الفلسفي لعبارة «منطق الاشياء». قوة الاشياء تقول ان فرنسا في مأزق الدولة، ورجال الدولة، في مأزق الثقافة، ورجال الثقافة، في ازمة المستقبل، ورجال المستقبل. واذا كان فيلسوف الاعلان جاك سيغيلا قد قدّم شعارا انتخابيا لميتران هو «القوة الهادئة»، تبدو فرنسا الان امام... القوة الصاخبة.
فرنسا العارية من القيم. بعد كاترين دونوف ولايتيسيا كاستا وميراي ماتيو اللواتي تم اختيارهن شعارا لفرنسا (على وجه ماريان)، ها ان مارين لوبن تختزل الاكثرية الفرنسية. قيل انها تشبه الحصان الذي امتطته ذات يوم، على الطريقة البونابرتية، ودخلت فيه الى باريس. هي تقول... انا اشبه فرنسا!
شقراء جدا. لا تحب العرب، ولا اليهود، ولا الافارقة،لكنها ستفاجأ بأنه لا يوجد هناك نيتشه الفرنسي الذي يوحي لها بشخصية «السوبر ومان». باهتة فرنسا الان، وتمارس استراتيجية اللهاث، وساستها يزحفون بين العباءات. مستعدون للتواطؤ مع اي كان لانقاذ ما يمكن انقاذه من الاقتصاد الذي يتهاوى...
في كل الاحوال، اذا دخلت مارين لوبن الى الاليزيه لن تجد هناك من يقرع لها الطبول. من اكثر من نصف قرن غابت الشمس عن الامبراطورية. دولة عادية من دون خيال، ورجال دولة يحاولون، بالحد الاقصى من الواقعية، التعاطي مع الواقع. اذا دخلت لا على صهوة حصان بل على ظهر... بطة عرجاء!!


ليست هناك تعليقات: