الأحد، 20 ديسمبر 2015

تركيا :يومان مضت علي 17ديسمبر الذكرى السنوية لتحقيقات الفساد في 2013

اليوم يصادف الذكرى السنوية الثانية لأضخم فضيحة فساد سياسي ليس في تركيا فقط بل في تاريخ الديمقراطية في العالم بأسره. ونحن نستخدم مصطلح”في تاريخ الديمقراطية في العالم بأسره” عن قصد، لأن فسادا بهذا الحجم لم يحدث في أية دولة تُدار بنظام ديمقراطي. 

 ومنذ ذلك الحين الجميع يرى التغيرات التي شهدتها الحياة السياسية في تركيا خلال العامين الماضيين. فالحزب الحاكم المتهم بالفساد انفرد بإدارة البلاد تماما. وقمع بقسوة بالغة المعارضة والأصوات المزعجة وكل من يختلف معه.
ومن الناحية السياسية حصل في النهاية بانتخابات الأول من نوفمبر على حديقة الأزهار الخالية من الأشواك التي كان يرغب فيها.
النصر الذي كلف الدالة والتنمة ثمنا باهظا
بلاشك انتصر العدالة والتنمية في معركة الحفاظ على السلطة بإجراءاته الأخيرة. لكن كل ما حذر منه المعارضون بقولهم: “لا تفعل هذا، فإنه لا يأتي بخير للبلد” وقع حقا وما زال يقع. إذ أن تركيا أصبحت بلدا أكثر فقرا وأكثر فشلا وأصبحت دولة أكثر ضعفا في الداخل والخارج. والمشهد الحالي بالنسبة للحزب الحاكم عبارة عن نصر كلف ثمنا باهظا إذ أنه يبدو فائزا رغم أنه خاسر في الواقع بسبب الثمن الباهظ الذي يدفعه. وسيكتب الخبراء كل في مجاله كيف أضرّت إدارة العدالة والتنمية بالسياسة ومؤسسات الدولة والديمقراطية من خلال العمليات التي قام بها للتخلص من سلسلة ادعاءات الفساد. أما مهمتنا (الخبراء في مجال الاقتصاد) فهي توضيح التغيير الذي طرأ على الاقتصاد التركي خلال العامين الماضيين.
أصبحنا دولة تهرب منها رؤوس الأموال
الاستثمارات الأجنبية هي أكثر المتضررين من الأحداث التي تشهدها تركيا. فوقوع الفساد ليس شيئا مقتصرا على بلادنا بل هو يقع في العديد من دول العالم وبخاصة في الدول النامية مثل دولتنا. فمن هذه الناحية الأمر لا يعد مشكلة كبيرة بالنسبة للمستثمرين الأجانب، فهم في الواقع يغامرون أثناء الاستثمار بأموالهم في دولة ما. فهم يطالبون فوائد أكثر ويدفعون أموالا أقل إلى الشركات.
لكن الموقف الذي اتخذته آليات الدولة عقب تحقيقات الفساد هو الذي حول تركيا إلى “مفاجأة” بالنسبة للمستثمرين الأجانب. وانعكس هذا الوضع في النهاية على الأرقام.
ارتفاع المخاطر الاقتصادية
ارتفعت نسب مخاطر الائتمان (CDS) التي تظهر قسط تأمين المخاطر في تركيا من 1.6% إلى 2.7%. أي أننا بدأنا ندفع في جميع ديوننا الخارجية فوائد أكثر بنسبة 1.1% على الأقل ولم يتم الاكتفاء بهذا فقط بل انخفض حجم رؤوس الأموال القادمة من الخارج بشكل حاد. ففي عام 2013 بلغ حجم رؤوس الأموال القادمة مباشرة إلى تركيا في شكل محفظة استثمارية 32.8 مليار دولار بينما بلغ حجم رؤوس الأموال التي غادرت البلاد خلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام 2.4 مليار دولار. بمعنى أن رؤوس الأموال التي حققت النمو الأسطوري لتركيا خلال السنوات العشر الأخيرة توقفت عن التدفق على تركيا بل بدأت تغادر البلد.
إضافة 24 ألف ليرة على كل 100 ألف ليرة تمويل
إنهيار مفهوم”السلطة الآمنة”،الذي شكّله حكم العدالة والتنمية بالنسبة لرؤوس الأموال الأجنبية حتى 17 ديسمبر 2013، سبب في مغادرة رؤوس الأموال البلد وأحدث سلسلة من التغييرات الجذرية في أسواق المال، التي تعطي فكرة عن المشهد الاقتصادي العام للبلد. فإن قمنا بسرد الأرقام ستظهر هذه التغييرات بشكل جلي. قيمة الدولار وصلت حاليا إلى 2.97 ليرة بعدما كانت 2.14 ليرة قبل تحقيقات الفساد في 17 من ديسمبر عام 2013. واليوم بلغت فوائد سندات الخزانة 11% بعدما كانت 9.1%. كما أن مؤشر البورصة، الذي يظهر القيمة الحالية لشركات الدولة، سجل إنخفاضا بالدولار من 3.1 سنت إلى 2.4 سنت.
المواطن هو الذي دفع الثمن
إذا نظرنا بمعايير نقدية سنجد أن تركيا أصبحت دولة تفقد من قيمتها الكثير. فبالطبع المواطن له نصيب مهم في فاتورة التغييرات التي طرأت في رؤوس الأموال والأسواق المالية، على الأقل انعكس هذا على فوائد القروض العقارية. فحتى 17 من ديسمبر عام 2013 كانت الفوائد الشهرية للقروض العقارية 0.87% أما اليوم فوصلت الفوائد إلى 1.15%. فبعدما كان القسط الشهري لمبلع 100 ألف ليرة من التمويل على مدار عشرة سنوات 1.340 ليرة ارتفع هذا القسط اليوم إلى 1.540 ليرة. أي أننا نتحدث عن 200 ليرة إضافية شهريا.فالمستهلك سيدفع في عشر سنوات 24 ألف ليرة إضافية لكل 100 ألف ليرة من تمويل.
نصيب الفرد من الدخل القومي نقص بواقع 1226 دولار
تغيير رؤوس الأموال الأجنبية مسارها والخسائر الدراماتيكية في أسواق المال تسببت في اضطراب الاقتصاد الحقيقي. التغيير الرئيسي حدث في دخل الفرد الذي يعكس رفاهية البلد والذي كان أكثر الإنجازات التي تفاخر بها العدالة والتنمية لفترة. ففي ختام عام 2013 كان نصيب الفرد من الدخل القومي 10 آلاف و786 دولارا تراجع هذا الرقم مؤخرا إلى 9آلاف و560 دولارا. حيث فقد دخل الفرد خلال العامين الماضيين 1226 دولارا أي أن الفرد صار أفقر بنسبة 11.3%.
وطبعا نرى تأثير انخفاض الدخل في مؤشرات رئيسية أخرى أيضا، فعلى سبيل المثال مؤشرات البطالة في نهاية عام 2013 كانت 9.7% أما هذا العام في شهر سبتمبر/ أيلول وصلت إلى 10.5%. وارتفع عدد العاطلين من 2.7 مليون إلى 3.1 مليون عاطل. كما أن معدل التضخم السنوي، الذي يظهر غلاء المعيشة وهي أكثر الأمور التي يشتكي منها المواطنون أثناء التسوق في الأسواق، وصل إلى 8.1% بعدما كان 7.4%.
لو اقتصر الأمر على كل هذه البيانات فقط لكان بامكاننا أن نقول لا يزال الوضع جيدا. لكن المؤشرات الأولية والوضع الدولي لا يعطي إشارات إيجابية فيما يتعلق بالاقتصاد.
ومختصر القول هو أن الحزب الحاكم حافظ على بقائه على السلطة، لكن البلد ضاعت رفاهيته.
 أوغوز كاراموك – صحيفة ميدان التركية
عربي زمان التركية

ليست هناك تعليقات: