دخل
الدب الروسي بقوة على خط المعركة الدائرة في اليمن في محاولة جديدة
لمقايضة المملكة السعودية على موقفها من الأزمة السورية وتحديها عبر أكثر
الملفات حساسية بالنسبة لها وهو الملف اليمني الذي يمثل العمق الاستراتيجي
والأمني الواسع للأمن القومي السعودي من ناحية الجنوب،
فبعد مرور خمسة
أسابيع على الاحتلال الروسي العسكري لسوريا ظل فيها الموقف السعودي صلبا
ومتماسكا إلى حد كبير تجاه الموقف من رحيل بشار الأسد والقوات الأجنبية
والإيرانية، صعدت موسكو من تحركها على مسار الأزمة اليمنية فيما يبدو
للتأثير على الحلف السعودي العربي الإقليمي في مواجهة حلف موسكو طهران،
ولحصد مكاسب إقليمية في ثلاث مناطق مترابطة "اليمن-العراق-سوريا" باعتبارها
مناطق الصراع حول النفوذ بين القوى الإقليمية والدولية.
وفي تطور ملفت يكشف محاولة موسكو
فرض وصايتها على اليمن بعد سوريا لمقايضة السعودية والضغط عليها أكدت
الخارجية الروسية دعم موسكو للجهود التي يبذلها المبعوث الأممي الخاص إلى
اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، من أجل عقد الجولة الثالثة من المشاورات
اليمنية.
وقالت الخارجية الروسية، في بيان
لها نشر أمس الجمعة على موقعها الرسمي، إنها تعتبر "أمرا بالغ الأهمية
القيامَ بكل ما هو ممكن لإنهاء العنف في الجمهورية اليمنية والتوصل إلى
السلام في البلاد عبر إجراء حوار يشمل جميع قوى الشعب اليمني". وشدد على أن
موسكو تدعم على نحو شامل الجهود التي يبذلها المبعوث الأممي لليمن من أجل
تنظيم الجولة الثالثة من المشاورات اليمنية.
تشابك الملف السوري واليمني
منذ بدء التدخل الروسي في سوريا
بنهاية سبتمبر الماضي حرصت روسيا على توجيه رسائل تهديد للرياض ومحورها
السني الإقليمي الناشيء عبر قصف سوريا بصواريخ من سفن حربية روسية ببحر
قزوين عبرت إيران والعراق معا، كذلك دشنت مركز استخباراتي مشترك مع إيران
والعراق وسوريا، أما الجديد الآن تصاعد الدور الروسي في اليمن، والذي يأتي
بتوقيت شديد الحساسية فهناك حالة ترقب لبدء مفاوضات يمنية جديدة قد تنهي
الأزمة اليمنية سياسيا.
وبالتزامن مع عقد اجتماعات
"فيينا" بغية التوصل لاتفاق بشأن مصير الأسد، كانت روسيا تستضيف وفدا حوثيا
في موسكو، في ربط واضح للملف اليمني والسوري لحصد مكاسب أكثر بالضغط على
السعودية، ليس فقط لأسباب سياسية بل هناك أسباب اقتصادية أهم للروس تتمثل
في الضغط على الرياض لتقليل خسائر روسيا في ملف النفط وأسعاره، فموسكو تريد
أن تتفاوض على حزمة من المطالب وإنجازها معا وبخاصة أنها لن تستطيع
الاستمرار في الحرب بسوريا لفترة طويلة لارتفاع كلفتها عسكريا وماديا
وسياسيا خاصة مع إحراز المقاومة المعتدلة تقدما نوعيا بمواقع إستراتيجية في
مواجهة قوات نظام الأسد برغم الغارات الروسية.
ولذلك تبحث موسكو عن نقاط أخرى
للضغط على السعودية بعد صلابة موقفها وموقف المعارضة التي تدعمها بعد خمسة
أسابيع من القصف الروسي وتدفق المقاتلين الإيرانيين والميلشيات التابعة
لهم.
وكلما ضغطت روسيا على السعودية في
الملف اليمني والسوري، يبدو أن السعودية تضغط بملف أسعار النفط ومزاحمة
روسيا في الأسواق الأوروبية في صراع يدخل ما يعرف بمرحلة "تكسير العظام" و
"عض الأصابع".
نقطة تحول روسية
يرى مراقبون أن التدخل العسكري
الروسي المساند لنظام الأسد قبل خمسة أسابيع أحدث نقطة تحول في نفسيات
مليشيا الحوثي وصالح، وموقفهم من النظام الروسي، إذ بدأ الترويج إعلامياً
للتدخل الروسي في سوريا، وتداول أخبار الغارات الجوية الروسية في سوريا،
والتغني بالقوة العسكرية لجمهورية روسيا الاتحادية.
ثم بدأت المليشيات الانقلابية
باليمن بالأنشطة العلنية المطالبة بتدخل روسي في اليمن، حيث نظمت أكثر من
ثلاث وقفات احتجاجية أمام مقر السفارة الروسية بصنعاء، خلال أسبوعين جميعها
تنشد موقفاً روسياً إزاء اليمن، وكان واضحاً وجود قيادات من المليشيا على
رأس المنظمين والداعين للاحتشاد.
تطور نوعي آخر حدث ظُهر أمس الأول
الخميس، حيث وصلت طائرة شحن روسية جاءت لإجلاء رعايا روس موجودين في
اليمن، وحملت على متنها مساعدات وهي كمية قليلة مقارنة باحتياجات الوضع
الإنساني في اليمن، كما صرح بذلك لوسائل الإعلام نائب مدير الوحدة
التنفيذية لمخيمات النازحين محمد حرمل، فيما روّج إعلام الحوثيين وصالح أن
الطائرة جاءت بدون أي تنسيق مع التحالف، وأنها كسرت الحظر الجوي المفروض
على اليمن منذ بدء عملية عاصفة الحزم في 26 مارس 2015.
في المقابل صرح مصدر في السفارة
الروسية بأن الطائرة جاءت بالتنسيق مع التحالف العربي مثلها مثل بقية
طائرات الإغاثة التي تتبع الأمم المتحدة والصليب الأحمر.ثم غادرت الطائرة
الروسية مطار صنعاء الجمعة 6 نوفمبر، فيما نفى التحالف العربي مسؤوليته عن
تأخر إقلاع الطائرة الذي كان مقررا الخميس.
مسار الموقف الروسي في اليمن
تساؤلات حول طبيعة الموقف الروسي
تجاه اليمن بعد تدخلها العسكري في سوريا، وزيارة المخلوع صالح قبل يومين
لمقر السفارة الروسية بصنعاء بحجة تقديم العزاء في ضحايا الطائرة التي سقطت
في سيناء.
ويرى مراقبون أن زيارة المخلوع
صالح للسفارة الروسية مجرد حركة للإيحاء بأنه تحت الحماية الروسية، متوقعين
استمرار روسيا في تفعيل دورها النشط وتحديداً مع الحوثيين، ودون القطع مع
المخلوع، بحيث لا يتم تجاوزها عند التسوية النهائية، بما يضمن لها نصيباً
في الكعكة، فالحوثي يعد ورقة مهمة لاستمرار الدور الروسي في المحافظة على
حضوره في تقاسم المصالح والمنافع.
وبحسب محللين فإن روسيا تصارع
بالقوة وبالتدخل المباشر وبخاصة مع ارتباك السياسة الأمريكية في المرحلة
الراهنة لحماية حصتها بالمنطقة حيث ترغب روسيا في التدخل بشكل مباشر في
الملف اليمني إن أتيح لها ذلك، ويؤكد ذلك ما شهدته الأيام القليلة الماضية
من لقاءات في موسكو مع ممثلين لجماعة الحوثي، ثم استقبال صالح في مقر
السفارة بصنعاء، ثم أخيراً طائرة المساعدات.
روسيا تدعم الحوثيين
روسيا لم تكن مرحبة بعاصفة الحزم
في اليمن وكانت تضغط من أجل وقفها عدة مرات بذريعة الأوضاع الإنسانية، ثم
خفت صوتها لدرجة تمرير القرار 2216 بمجلس الأمن ضد جماعة الحوثي وصالح، ثم
بعد التدخل الفج في سوريا أصبحت العاصمة الروسية "موسكو" قبلة جماعة الحوثي
"الشيعة المسلحة"، فقد سبق أن توجه وفد رفيع المستوى من الحوثيين إلى
موسكو في يونيو الماضي، في محاولة لاستئناف المفاوضات مع الحكومة اليمنية
الشرعية للرئيس عبدربه هادي، وإيقاف إطلاق النار، ولكن المفاوضات فشلت لطلب
"هادي" التزامهم بقرارات مجلس الأمن.
وفي نهاية أكتوبر الماضي وتزامنًا
مع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد، المفاجئة والقصيرة لموسكو. أعلنت
الوكالة الروسية عن استضافتها مؤتمرًا صحفيًا عن "الحالة اليمنية الراهنة"،
لأعضاء ما يسمى "اللجنة الثورية العليا في اليمن"، وهي (الهيئة العليا في
الدولة بحسب الإعلان الدستوري المنفرد للحوثيين "الانقلابيين" في 6 فبراير
الماضي)، فيما اعتبرها البعض خطوة استباقية لجولة المشاورات الجديدة بين
الحكومة والحوثي وصالح فيما يسمى بـ "جنيف 2"، والتي كان مقررا انعقادها
نهاية أكتوبر ثم تم تأجيلها بسبب تعنت الحوثيين واستمرار ارتكابهم مجازر ضد
المدنيين وبخاصة في تعز ومن المتوقع انعقادها في منتصف نوفمبر الجاري.
والآن تدعم الخارجية الروسية لقاء
جنيف اليمني بلهجة تساوي بين جميع الأطراف المشاركة دون استخدام مصطلح
المتمردين أو الانقلابيين المنشقين بل تقول حوار بين "قوى الشعب اليمني"
لإنهاء "العنف".
أسواق النفط ورقة ضغط
ولد الصراع السياسي في المنطقة
وبخاصة حول سوريا واليمن ساحة للصراع الاقتصادي بين روسيا والسعودية حول
أسعار النفط، ساحته سوق دول أوروبا حيث تشكل نقطة تنافس بين الدول المصدرة
وعلى رأسها السعودية وروسيا.
ويرى مراقبون أن الخلاف
الدبلوماسي والعسكري السعودي مع روسيا في سوريا، ووقوف موسكو إلى جانب رئيس
النظام السوري بشار الأسد، إضافة إلى قصف موسكو لقوات المعارضة السورية
التي تدعمها الرياض بدل قصفها تنظيم الدولة "داعش"، أثار حفيظة الرياض
وحفزها للضغط اقتصادياً من خلال حلفائها في أوروبا المؤيدين لرحيل الأسد.
وفي تحرك جديد في معركة السعودية
وروسيا على مشتري النفط الخام الأوروبيين الأسبوع الماضي، ذكرت مصادر
تجارية أن شركة بريم السويدية لتكرير النفط اشترت أول شحنة لها من الخام
السعودي منذ نحو 20 عاماً. كما تحولت شركتان بولنديتان لتكرير النفط، هما
"بي.كيه.إن أورلين"، و"لوتوس"، بالفعل إلى الخام السعودي على حساب خام
الأورال. وقال نائب رئيس لوتوس، الأسبوع الماضي لرويترز: إن صفقة الشراء
"جعلت موقفنا التفاوضي أكثر قوة" مع روسيا المورد التقليدي للشركة.
وخفضت شركة أرامكو السعودية
الحكومية للنفط، أمس الأول الخميس، أيضاً، سعرها الرسمي للخام الموجه إلى
شمال غرب أوروبا. وأكدت بريم، التي تستخدم غالباً خام الأورال الروسي، صفقة
الشراء، لكنها رفضت الإسهاب في الحديث عن التفاصيل.
صراع في المفاوضات السياسية تتسع
دوائره بين روسيا والسعودية في سوريا ثم اليمن، سرعان من تحول لصراع
اقتصادي مشتعل حول أسعار النفط بل وأسواق النفط بما يعني إعلان السعودية
قدرتها على الصمود في مواجهة حلف موسكو طهران وامتلاكها لأوراق ضغط قادرة
على تفعيلها بقوة.
المصدر : شؤون خليجية

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق