الأحد، 29 نوفمبر 2015

هشام بكر يكتب هل أصبح أردوغان من روسيا و أمريكا في خبر كان ؟!


أعلنت موسكو عن حزمة عقوبات اقتصادية ضد أنقرة، على خلفية إسقاط طائرة روسية في منطقة الحدود بين سوريا وتركيا و سقوط طائرة حربية أخري، وشمل المرسوم الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كافة المواد التي يُحظر استيرادها من تركيا، فضلا عن نشاط الشركات التركية داخل موسكو، والأتراك الذين يعملون لصالح شركات روسية داخل البلاد، إلى جانب المطالبة بوقف الرحلات السياحية التجارية بين البلدين ، و بالفعل بدأت إيقاف السياحة و الطيران الروسي لتركيا و وضع العراقيل أمام استقبال واستمرار الاتراك في في روسيا و تم ايقاف جميع المشروعات الاستثمارية التركية في روسيا .

وأحرق أردوغان الطبخة. استعجل المطبخ السياسي التركي استواء طعام الفوز فأشعل النار تحته، وكان ما كان. وتمّ ما قاله الإمام جلال الدين السيوطي :"من استعجل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه".
أراد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بناء الأحلاف مع الجميع وفي نفس الوقت الضغط على الجميع، فتلقّى هو الضغوط وخسر صداقات عدّة أو يكاد. من ينظر الى العلاقات التركيّة الروسيّة اليوم، يُدهش إذا ما قارنها بما كانت عليه منذ شهرين: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستقبلاً أردوغان في 23 أيلول ومتحدّثاً عن رضاه في تطوّر العلاقات الثنائيّة، والأخير يتوقّع زيادة التبادل التجاري الى 100 مليار دولار في السنوات القادمة.

أمّا اليوم، فمسار العلاقات الثنائيّة تصادميّ وبورصتها الى مزيد من الخسائر. روسيا تنوي جدّيّاً فرض عقوبات اقتصاديّة على تركيا، أو بالأحرى نوت وبدأت بالتنفيذ. فموسكو طلبت من مواطنيها عدم السفر الى أنقرة، ممّا سيكلّف العاصمة التركيّة خسائر تترواح بين مليار أو ملياري دولار في السنة الواحدة. وعلى الحدود تصادر السلطات الروسيّة المعنيّة كمّيّات كبيرة من الأغذية التركية، ولو تحت شعار عدم مطابقتها للمواصفات والمعايير الصحّيّة.

وستشمل العقوبات الاقتصاديّة "البنى والمنشآت الاقتصاديّة التركيّة العاملة داخل الأراضي الروسيّة بالاضافة الى قيود وحظر على شحنات من المنتجات بما فيها الأغذية" بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف. وستشمل العقوبات أيضاً مجالي العمل والخدمات.

وقالت مجلّة "التايم" الأميركيّة في تقريرها عن العقوبات التي يتوقّع لها أن تطال بالدرجة الأولى قطاعي السياحة والطاقة، إنّ العقوبات ستؤثّر على كلا البلدين. "فالاقتصاد الروسي يتوقّع أن يتقلّص بنسبة 3.8% هذه السنة، فيما العملة التركيّة تراجعت قيمتها خلال سنة 2015". بالاضافة الى ذلك، إنّ 30 مشروعاً استثماريّاً تركيّاً بقيمة 500 مليون دولار تمّ تجميدها في شبه جزيرة القرم.

ومن أهمّ المشاريع التي ستشملها العقوبات بحسب المجلّة نفسها، مشروع الطاقة النوويّة التي وقّعته الحكومة التركيّة سنة 2010 مع الشركة "روزاتوم" (20 مليار دولار) ومشروع خط الغاز "توركيش ستريم". ومن غير المتوقّع، عودة العلاقات بين الدولتين الى سابق عهدها في المستقل القريب، خصوصاً بعد رفض الرئيس الروسي الردّ على اتصال نظيره التركي به.

ويبدو أنّ الشتاء التركي المعروف بقساوته "أمطر على أنقرة" جميع المشاكل دفعة واحدة. فإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تضغط على تركيا لإرسال مزيد من التعزيزات العسكريّة الى حدودها مع سوريا لمنع الإرهابيّين من الالتحاق بتنظيم "داعش". فبحسب صحيفة "الوول ستريت جورنال" الأميركيّة قال أحد المسؤولين في البنتاغون أنّ الأمر يحتاج ربّما لثلاثين ألف جنديّ تركيّ. ونقلت عن مسؤولين أتراك تأكيدهم أنّ تركيا بدأت باتخاذ بعض الاجراءات إلّا أنّ أرقام وزارة الدفاع الاميركية "مبالغ فيها" بدون أن يعطوا بالمقابل رقماً تقديريّاً من قبلهم.

وبات معلوماً أنّ الأتراك يدخلون في لعبة أخذ وردّ مع الأميركيّين والاوروبّيّين. ففي مقابل وعودهم بتشديد المراقبة على الحدود، يحاولون التفاوض من أجل الحصول على مبالغ ماليّة لإيواء أكثر من مليوني لاجئ سوريّ دخلوا الى أراضيهم. ومن جهة أخرى، تحاول تركيا الحصول على ضوء أخضر غربي لبناء منطقة آمنة في شمال سوريا الأمر الذي أضحى عدم الموافقة عليه شبه محسوم من قبل الرئيس الأميركي الحالي.

وأتى فوز حزب "العدالة والتنمية" بالغالبية المطلقة من المقاعد النيابيّة في الأوّل من هذا الشهر ليعطي أردوغان نشوة انتصار أكبر من حجمه الفعلي. وفي الأساس، لا يهمّ الغرب من هذا الفوز سوى التزام سياسي من الحزب الحاكم بإجراءات فعّالة على الحدود الى أقصى الدرجات. إذ لا يستطيع الغرب انتظار تركيا كثيراً في هذا المجال، خصوصاً أنّ خطر الإرهاب أصبح آفة سريعة الانتشار. فالهجمات التي طعنت العاصمة الفرنسيّة بسكّين حارق منذ أسبوعين، شنّها إرهابيّون دخل قسم منهم عبر الحدود التركيّة بحسب آخر المعطيات.

وبدأ الأميركيّون يستشيطون غيظاً من التصرّفات التركيّة. أحد المسؤولين في البنتاغون قال للصحيفة عينها:"هنالك جانبان لكلّ حدود. إذا كان الأتراك مندفعين لإغلاق حدودهم، فلا شيء يمنعهم من استخدام قواهم العسكريّة للوصول الى هذه الغاية".

فكان الردّ من أحد المسؤولين الأتراك بالإشارة الى عزم بلاده على "تنظيف داعش من 98 كيلومتراً من الحدود بين كِلّس وجرابلوس" مضيفاً:" لا داعي لاستلامنا أيّ إنذار أو نصيحة من أحد، حتى من شركائنا الأميركيّين".

وأغدق الأتراك سابقاً وعوداً كثيرة على حلفائهم وخصوصاً في دول حلف شمال الأطلسي. لذلك أمست دول غربيّة عدّة مشكّكة، بالحدّ الأدنى، في النوايا التركيّة. وقد تجد الأخيرة نفسها مضطرّة لاتخاذ خطوات أكثر جدّيّة وأقلّ مماطلة في إقفال حدودها أمام عناصر "داعش". فمنطقيّاً قد يكون أمام الأتراك قوّة - لبعض الوقت - في تحمّل الضغوط الروسيّة أو الأميركيّة. أمّا أن يتحمّلوا ضغوطاً شرقيّة وأخرى غربيّة، دفعة واحدة، وفي نفس الوقت، فهذا محال.
ومن هنا نقلت "الوول ستريت جورنال" تحذيراً جاء على لسان أحد المسؤولين في إدارة أوباما الذي قال:" اللعبة تغيّرت، كفى يعني كفى. الحدود بحاجة للإقفال."
 وخسارة الاقتصاد التركي كما يتوقعها خبراء الاقتصاد حال تنفيذ هذه العقوبات في 3 جوانب، أولها أن روسيا تعد المصدر الرئيسي للغاز والبترول لأنقرة، ومحاولة الأخيرة الحصول عليه من (داعش) لن يعوضها عن الكميات الكبيرة التي تحصل عليها من موسكو".
و "السياحة الروسية تدر على أنقرة سنويا من 4 أو 5 مليارات دولار، وانسحابها يعني خسارة كبيرة لاقتصاد تركيا"، والجانب الثالث من الخسارة المتوقعة للاقتصاد التركي يتمثل في حجم التبادل التجاري على مستوى السلع الزراعية والصناعية بين البلدين، لافتا إلى أن هذا المجال سيتعرض للتضييق والخناق الشديد من الجانب الروسي، الأمر الذي يؤدي إلى خسائر تقدر من 40 لـ50 مليار دولار سنويا، وهو مبلغ ليس بالقليل ويضعف القاعدة الشعبية التي تدعم الرئيس التركي أردوغان وحزبه.

ليست هناك تعليقات: