الرئيسين
الروسى فلاديمير بوتين والأمريكى باراك أوباما
إعداد - هشام بكر
قال الكاتب الأمريكى
المخضرم تشارلز كروثامر إن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لا يحترم نظيره الأمريكى باراك
أوباما، متسائلا فى استنكار: لماذا لا يفعل أوباما شيئا حيال تصرفات بوتين؟. وعدد الكاتب
الحائز على جائزة بوليتزر، أعلى وسام صحفى، فى عموده الأسبوعى، الجمعة الماضي ، بصحيفة
واشنطن بوست، المواقف التى تظهر تعمد بوتين إحراج الرئيس الأمريكى. ففى 5 سبتمبر
2014، وعقب زيارة أوباما لأستونيا كرمز على التزام أمريكا بأمنها، عبر وكلاء روس إلى
أستونيا وقاموا بخطف مسئول أمنى، وقد حكمت عليه روسيا، الأسبوع الماضى بالسجن 15 عاما.
ولم يتجاوز رد الولايات المتحدة سوى إصدار بيان من وزارة الخارجية، فيما أصدر الأمين
العام للناتو "تويتة" وقال الاتحاد الأوروبى إنه من السابق لأوانه مناقشة
أى إجراء ممكن، كما يشير الكاتب. ويضيف أن توقيت هذا الإنتهاك الوقح لأراضى حلف شمال
الأطلسى، مباشرة بعد زيارة أوباما بيومبن فقط، هو دليل على إزدراء بوتين بالرئيس الأمريكى،
لأنه يعلم أن الأخير لم يفعل شيئا. ويمضى أن الرئيس الروسى كسر حظر تصدير الأسلحة لإيران
من خلال رفع تجميد بيع صواريخ "إس-300". فيما جاء رد أوباما مبررا له، قالا
إن التصرف لا يتعارض قانونيا من الناحية الفنية، بل ذهب للقول: "صراحة: إننى مندهش
من صبره كل هذه الفترة الطويلة". ويضيف أن روسيا وضعت أوباما فى المصيدة فى الساعة
الحادية عشرة من مفاوضات إيران، حيث انضمت لطهران مطالبة بإسقاط الحظر المفروض على
الأسلحة التقليدية والصواريخ الباليستية، وهو ما استسلم له أوباما سريعا. وقد غزا بوتين
أوكرانيا وقام بضم شبه جزيرة القرم وكسر أثنين من إتفاقات مينسك لوقف إطلاق النار،
فضلا عن محو الحدود بين روسيا وأكرانيا، ممزقا تسويات 1994 ما بعد الحرب الباردة، ثم
ماذا كان رد أوباما؟، يتساءل الكاتب، عقوبات مستهلكة وتهديدات فارغة ورفض مستمر لتزويد
أوكرانيا بأسلحة دفاعية، خشية من استفزاز بوتين. وبينما انتقد أوباما منافسه الجمهورى،
ميت رومنى، فى انتخابات التجديد النصفى، عام 2012، عندما قال إن روسيا هى العدو الجيوسياسى
للولايات المتحدة، فإن رئيس هيئة الأركان المشتركة الذى عينه أوباما فى 2015، قال الشهر
الماضى: "روسيا تمثل أكبر تهديد لأمننا القومى". كما أن وزير الدفاع الأمريكى
نفسه ذهب إلى ما هو أبعد قائلا "روسيا تطرح تهديدا وجوديا للولايات المتحدة".
ويقول كروثامر أن الحرب الباردة لم تنته بعد، فبوتين مصمم على إحيائها. فبسبب سوء تقدير
أوباما لنوايا روسيا، تحول ميزان القوى. ويوضح بالقول: "الأمر لا يتعلق فقط بأوروبا
الشرقية، فلقد زار الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى، البلد العربى الذى يمثل حليف اساسى
لنا فى الشرق الأوسط، موسكو مرتين خلال 4 أشهر".
وتنعقد الغد الإثنين
في نيويورك قمة الرئيسين باراك أوباما وفلاديمير بوتين على وقع تلاسن أميركي- روسي
في شأن ترتيبات الاجتماع المتوقع أن يركّز في جزء منه على الأزمة السورية. فبعدما قال
البيت الأبيض إن الروس طلبوا وبإلحاح، أن يقبل أوباما بعقد قمة مع بوتين، رد الكرملين
بأن الأميركيين في الواقع هم من طلب اللقاء وأن روايتهم في شأن ترتيبات القمة «محرّفة»،
علماً أن الرئيس الأميركي امتنع عن الاجتماع ببوتين منذ لقائهما الأخير في حزيران
(يونيو) 2013 في إيرلندا الشمالية، رغبة منه بإظهار امتعاضه من سياسات موسكو في شأن
أوكرانيا وسورية على وجه التحديد.
وعُلم أن بوتين
يحمل معه إلى الاجتماع مع أوباما، الإثنين، «وديعة» تتمثل بموافقة الرئيس بشار الأسد
على تشكيل «حكومة وحدة وطنية» من الراغبين من المعارضة للتمهيد لانتخابات برلمانية
قبل شهرين من موعد انعقادها في أيار (مايو) المقبل، في وقت ذُكر أن المبعوث الدولي
ستيفان دي ميستورا طلب مشاركة ٢٥ ممثلاً للفصائل المسلحة في وفد المعارضة في اجتماعات
مجموعات العمل الأربع، الذي يضم حوالى ٦٠ شخصاً.
وكان الأسد استبعد
في ظهورين إعلاميين في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) الماضيين أي حل سياسي قبل القضاء على
«داعش»، غير أن بوتين أعلن من جهته استعداد دمشق لـ «تقاسم السلطة من المعارضة البناءة»
إضافة إلى إجراء «انتخابات برلمانية مبكرة».
واستمر الجدل أمس
في شأن دور الأسد في المرحلة الانتقالية في بلاده، بعد تصريحات للمستشارة الألمانية
أنغيلا مركل والرئيس التركي رجب طيب اردوغان رأى فيها بعضهم «مرونة» إزاء الرئيس السوري.
لكن الناطق باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال قال إن الاجتماع الذي عقد في باريس
بين وزير الخارجية لوران فابيوس ونظيريه البريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك فالتر
شتاينماير بحضور ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغريني «أظهر تطابقاً
واسعاً حول الانتقال السياسي الذي يعد السبيل الوحيد للتوصل إلى حل الأزمة السورية».
وشدد على أن الانتقال السياسي «وحده يضع حداً للفوضى» وأنه «لو كان الأسد عنصراً من
عناصر الحل لكنا لاحظنا ذلك منذ أربع سنوات»، لافتاً إلى أن «وجوده في الواقع يفاقم
الأزمة ورحيله جزء من الحل». أما هاموند فقال في مقابلة صحافية: «يجب على الأسد أن
يرحل ولا يمكن أن يكون جزءاً من مستقبل سورية». لكنه أضاف: «سيكون من الضروري التحدث
مع الأسد باعتباره طرفاً في هذه العملية إذا توصلنا إلى اتفاق في شأن سلطة انتقالية
وكان الأسد جزءاً منه».
وكتبت وكالة «فرانس
برس» تحقيقاً أول أمس من اللاذقية على الساحل السوري أشارت فيه إلى وجود لافت لـ «زوّار»
روس في فنادق المدينة ومطاعمها، ناقلة عن سكان أنهم «ليسوا سياحاً» وان بعضهم طيارون،
في إشارة إلى أنهم يمكن أن يكونوا جزءاً من التعزيزات العسكرية التي يدفع بها الكرملين
منذ أسابيع إلى سورية. وفيما أشارت إلى أن هذا الوجود الروسي يجد ترحيباً واسعاً من
المواطنين في هذه المدينة التي تُعتبر من معاقل مؤيدي النظام، نقلت عن مهندس يدعى عدنان
(53 سنة) إن «السوريين بغالبيتهم يفضّلون الروس على الإيرانيين نظراً إلى صلات القربى
التي تربط كثيرين بهم، وتحديداً الديبلوماسيين السوريين الذين درسوا في روسيا وتزوجوا
منها». ويضيف: «هم يعتقدون (السوريون) أن لروسيا مصلحة جيواستراتيجية فقط، على عكس
الإيرانيين الذين يملكون رؤية استعمارية».
وكتبت «فرانس برس»
في تحقيق آخر من موسكو، أن الوجود الروسي القوي في سورية يثير قلقاً لدى الغربيين
«الذين يتساءلون عما إذا كانت أهداف الرئيس فلاديمير بوتين تتضمن إنقاذ الرئيس بشار
الأسد وهزيمة تنظيم داعش فقط أم ترسيخ حضوره في سورية».
وكان بوتين اقترح
في أواخر حزيران (يونيو) الماضي تشكيل تحالف عسكري كبير يستند جزئياً إلى الجيش السوري
لمحاربة «داعش». وبموازاة ذلك، كان وزير خارجيته سيرغي لافروف يحاول ترويج الفكرة لدى
العواصم المؤثرة، فضلاً عن مختلف مجموعات المعارضة السورية، في حين بدأ المجمع الصناعي
العسكري الروسي تسريع عملية تسليم الأسلحة إلى النظام في دمشق. وبعد ذلك، شهد مضيق
البوسفور في إسطنبول مرور سفن حربية روسية متجهة إلى ميناء طرطوس السوري، حيث تحظى
روسيا بمرافق لوجستية. وفي الأسابيع الأخيرة بدأ وصول الدبابات والطائرات الحربية والمروحيات.
ويلخّص مصدر ديبلوماسي
روسي رفيع الذهنية السائدة في الكرملين بالقول: «ليس هناك من وقت للمماطلة، قررنا الانتقال
من الأمور النظرية إلى التطبيق العملي لمقترحاتنا».
وهذه الخطوة ليست
الأولى لبوتين في الأزمة السورية. ففي أواخر آب (أغسطس) 2013، تراجع الرئيس أوباما
عن الضربات الجوية التي اقترحتها فرنسا على مرافق النظام السوري، وتحصن بوجهة نظر الكونغرس.
فاقترح الرئيس الروسي تدمير الأسلحة الكيميائية السورية، وكانت النتيجة أن النظام تجنّب
الضربات واستعاد بعض المصداقية والشرعية.
وبعد ذلك بعامين،
تركز موسكو جهودها على الهدف ذاته، دعم الجيش السوري وترسيخ وجودها في سورية. وتقول
المتحدثة باسم الديبلوماسية الروسية ماريا زاخاروفا إن «تكثيف أنشطتنا بدأ عندما أدركنا
أن التحالف (بقيادة الولايات المتحدة) مصيره الفشل فضلاً عن عدم وجود خطة واضحة للمستقبل».
من جهته، يقول
الخبير العسكري الروسي ألكسندر غولتس إنه إذا كان الجيش الروسي ينشر قوات في سورية،
فإنه سيستخدمها. ويضيف أن الأمر «مماثل لمسرح تشيخوف. فإذا كانت هناك بندقية في الغرفة،
فينبغي استخدامها»، مشيراً إلى عمليات قصف «محتملة».
بدوره، يقول مسؤول
سوري رفيع المستوى، إن التدخل العسكري يشكل «نقطة تحول»، مضيفاً أن «موسكو تريد تذكير
الولايات المتحدة بأن علاقاتها مع دمشق تمتد لأكثر من خمسين عاماً، وأن هذا البلد يقع
ضمن مناطق نفوذها. كما أنه رسالة أيضاً إلى دول في المنطقة تعتزم روسيا العودة إليها
كلاعب رئيسي». ويضيف «بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن سورية مسألة لا تؤثر على مصالحها
القومية، وهذا هو سبب عدم تدخل أوباما. أما بالنسبة إلى روسيا، فإن القضية تؤثر بشكل
مباشر على مصالحها نظراً إلى موقعها في البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط».
لندن، باريس، موسكو،
واشنطن - «الحياة»، رويترز، أ ف ب

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق