أيا تكن النتائج السياسية المباشرة لـ«عبور» 30 يونيو الشعبي في مصر، فإن الملايين التي ملأت ميادين مصر وساحاتها والشوارع، قد حسمت مسألتين رئيستين في النقاش الذي افتتح بين النخب الثقافية والسياسية والإعلامية في أعقاب ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وتحديداً بعد الانفجار الثوري الضخم في مصر يوم «25 يناير» العام 2011
المسألة الأولى تتعلق بطبيعة هذا الحراك، وما رافقه من تغيرات وتحولات، حيث انساق البعض مستغلاً بعض الظواهر السلبية التي رافقت هذا الحراك، ليتهمه بأنه في الأساس «تدبير» استعماري مشبوه لتنفيذ مخططات صهيونية مدبّرة .
والعديد ممن انزلقوا إلى هذا «التفسير المؤامراتي» كانوا في الأساس مشككين بالشعب العربي نفسه، متسائلين بمرارة ساخرة عن دوره في لحظات مصيرية دقيقة، بل إن العديد منهم أصمّ أذنيه في وجه مطالب شعبية مشروعة ما أدى إلى احتقان شعبي كبير، فانفجار، نجح أعداء الشعوب، محليين وأجانب، في مصادرته واستغلاله وتجويفه وتحويله باتجاهات معاكسة للإرادة الشعبية السليمة .
لقد حسمت «ثورة 30 يونيو» العام 2013، أو الموجة الثانية لثورة «25 يناير» 2011، الأمر تماماً، حين أكدت أنه حين يمسك الشعب بزمام أموره، وهو ما حصل فعلاً في 25 يونيو الماضي، فإن أحداً، مهما بلغ من القوة والسطوة، يستطيع أن يصادر إرادته أو مسيرته .
لقد خرج المارد الشعبي من القمقم، ومن المستحيل إعادته إليه، خصوصاً حين يكون هذا المارد بحجم مصر وثقلها ومكانتها وموقعها .
أما المسألة الثانية، التي حسمتها ملايين «30 يونيو» البشرية فهي تلك الأوهام التي وقع فيها كثر ينتمون إلى تيار الاخوان الارهابي الدولي أنه بإمكان أحد أن يستأثر بسلطة، أو يقصي شركاء آخرين، أو يستحوذ على مقدرات بلد و يتلاعب بالاوطان العربية أيّاً كانت الوسائل المعتمدة أو الدعاوى التي يتستر بها أو الدول التي تدعمه .
أسباب فشل مرسي
هنالك ثلاثة أسباب وفق جان مارك فيرييه، مدير الأبحاث في "المعهد الوطني للأبحاث العلمية" في باريس، والمتخصص في الشأن المصري: "السبب الأول هو عجزه عن إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي في مصر. كان من الصعب على مرسي عمل شيء ملموس بالنظر إلى الوضع عند تسلمه الحكم والمدة القصيرة التي أمضاها فيه. لكن شيئاً لم يكن يمنعه من المحاولة. فالواقع أن الوضع قد واصل التراجع. ارتفعت بشكل كبير أسعار السلع اللازمة للحياة اليومية، وبات المصريون الآن في وضع أكثر سوءاً مما كانوا عليه خلال فترة مبارك. كما تدهور وضع السلم الأهلي والحالة الأمنية التي يحرص عليها المصريون كل الحرص. وكل ذلك كانت له تأثيراته على السياحة التي تشكل رئة البلاد الاقتصادية. وكل ذلك، يضاف إلى مناخ غير ملائم بالمطلق للأعمال والاستثمارات. والمصريون يعرفون أن الإصلاحات الحقيقية تتطلب وقتاً، لذا كان عليهم أن يتحملوا ما يكابدونه من مصاعب إذا كانوا قد لاحظوا تغيرات ما. ثم إن الرئيس فقد كثيراً ممن صوتوا له لأنه لم يف بالتزاماته.
الخطأ الثاني ارتكبه الإخوان المسلمون عندما اعتقدوا أنهم يمثلون جميع المصريين دون أن يأخذوا في الاعتبار وجود المعارضة والأقليات. فمنذ وصولهم إلى السلطة، تصرفوا وكأن القوى الأخرى غير موجودة عبر تركيزهم على شرعية صناديق الاقتراع. (...) وذلك ما أدى بهم إلى الوقوع في الخطأ الثالث: إمرار الدستور بشكل قاهر من دون أخذ القضاء بعين الاعتبار. في ظروف الأزمات، لا بد من سلوك طريق المساومة (...). ما قاد مرسي إلى الفشل هو غطرسته. لا يمكننا القول حتى الآن ما إذا كان من شأن مثل هذه الأحداث أن تحدث أصداءً في بلدان أخرى عرفت تجربة الثورات. لكنه من المؤكد أن ما حدث هو بمثابة إنذار للأحزاب الإسلامية المحافظة في المنطقة. فشل مرسي هو فشل لهذا النوع من الأحزاب التي ينبغي لها أن تدرك أن السعي من أجل السلطة والوصول إليها وممارسة الحكم هي أمور ثلاثة مختلفة.
كيف يمكن تفسير هذا الغليان بعد عام واحد على انتخاب مرسي؟ يرى جيل كيبيل أنه "فيما يتجاوز سوء الحاكمية الاقتصادية وعدم إيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية، فإن أول ما ميز الثورات العربية هو توق العرب إلى حرية التعبير، بعد أن كانت الأحزاب المتسلطة قد شطبت هذه الحرية طيلة خمسة عقود. وبإثارته الإحساس بأن مصر قد أصبحت تحت سيطرة المسلمين، أهمل مرسي هذه الناحية مع أنها كانت أحد أسباب انتصاره. ففوزه بـ 51 % من الأصوات لا يعني موافقة على برنامج إسلاموي، لكنه يعود إلى تأييد الثوريين. لكن هذا التأييد لم يلبث أن تلاشى سريعاً بسبب البعد المعادي للحرية والتسلطي [عند الإخوان]".
هل انتهى نفوذ الولايات المتحدة؟
لا نظن ذلك! علينا أن نتذكر دائماً ما قاله فرانكلين ديلانوي روزفلت عندما قال: "عندما يحدث أمر ما بالصدفة، يمكنكم أن تكونوا على ثقة بأنه قد برمج ليحدث بهذه الصورة". لكن أحمد حلفاوي لا يوافق على هذا الرأي حيث يعتبر أن "نفوذ الولايات المتحدة لن يدوم طويلاً. فقد كان الأمر صعباً مع تركيا، ولكن هنا (...) يبدو أن النهاية قد أزفت لكل من "الربيع" العربي والإخوان المسلمين والوهابية وهيمنة الحلف الأطلسي على المنطقة. فالحركة المعاكسة جاءت مثيرة للدهشة، ولم يسبق أبداً للشعب المصري أن اجتمع للتحرك بمثل هذه القوة حتى بالمقارنة مع حقبة القومية الناصرية. إن طوفاناً بشرياً قد أظهر رفضه للأجندة الكاسحة التي حملها محمد مرسي وجماعته. وقد أشاعت كبريات الصحف الظن بوجود انقسام الشعب بين علمانيين وإسلاميين، ولكنها لم تتمكن من حجب الواقع المتمثل في أن الشعب بكل عمقه هو، فيما يتجاوز تياراً سياسياً معيناً، من انتفض في تحرك هائل ضد ديكتاتورية "رأسمالية السوق"، ضد مبايعة الإخوان للولايات المتحدة، ضد التخلي الذليل عن سيادة البلاد، وضد الاصطفاف إلى جانب الناتو في الحرب على سوريا".
إذاً، يرى حلفاوي في هذا التحرك انصهاراً رائعاً لملايين النساء والرجال والأطفال الذين تحركهم الثقة بأن شيئاً لا ينبغي ولا يمكن له أن يحدث بدونهم .
فالإخوان المسلمون الذين كانوا يحظون بحدب الغرب لم يعد لهم لزوم على خارطة المشاريع. إذاً، يتم التخلص منهم عبر اللعب على مخاوف ومصائب هذه الملايين من المصريين الذين خرجوا في التظاهرات، كما يتم تجاهل الآخرين أي أولئك الذين يدعمون النظام الدستوري ويدافعون عن ضرورة أن يبقى الرئيس المنتخب ديموقراطياً في منصبه حتى نهاية ولايته لانتهاجهم الارهاب في تجمعاتهم و تظاهرتهم و أعمال العنف المجتمعي المرتكبة منهم .
فالشرعية المهترئة التي يتمسك بها الاخوان في صلف و ارهاب حيث أن 48 بالمئة من المصريين لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع وأن مرسي لم ينتخب إلا من قبل 51 بالمئة من المقترعين. بكلام أكثر وضوحاً، نسبة الذين صوتوا لمرسي لا تكاد تصل إلى 25 بالمئة من الأصوات (واحد من أربعة)
كانت منهم نسبة كبيرة من عاصري الليمون من صوتوا لمرسي نكاية في أحمد شفيق
و للتخلص من أخر جيوب النظام المخلوع في نظر الثوار المصرييين .
ما الذي سيحدث الآن؟
هل انتهى زمن الحكم الديني للدول العربية؟ الإخوان المسلمون لن يستسلموا رغم الانتكاسة الكبيرة التي حلت بهم منذ أن أصبح وراءهم ذلك الزمن المبارك الذي كان بإمكانهم أن يحشدوا فيه المناصرين عن طريق الوعد المزدوج بمستقبل دنيوي وروحي أفضل .
يقول فيليب ميشكوفسكي: "في الوقت الذي يعلن فيه موقع الإخوان المسلمين على الانترنت بدء تحرك الجماعة بلا هوادة لحماية شرعية محمد مرسي الانتخابية، كانت الصحيفة الليبرالية "المصري اليوم" تتحدث عن انقسامات داخل الجماعة. والرهان، بحسب الصحيفة هو على تجنب تفكك البنية الدولية للجماعة بعد انهيار التنظيم الأم في مصر. هذه المجموعة من المعتدلين يقودها راشد الغنوشي، زعيم النهضة في تونس. ويقال بأنه قد طلب إلى الإخوان إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. (...) الا ان الاخوان في تونس لم تنجوا ايضا من ثورات الشعب التونسي عليه و اصبح سقوطهم قاب قوسين او ادني . "أما الإخوان المحليون في بلدان الخليج وخصوصاً في الإمارات العربية المتحدة، فهم تحت الصدمة" على ما نشره الموقع السعودي"إيلاف". وكتب طارق المطيري، العضو السابق في الجماعة في الكويت والناشط حالياً من أجل نظام حكم ملكي دستوري، أن "سقوط التنظيم في مصر يقضي نهائياً على حلم الإخوان بالوصول إلى السلطة في أي من بلدان الخليج. فالسعودية والإمارات والأردن تبدي ابتهاجها بتدخل الجيش. وقد كتب مقالة بعنوان "عسكري يعزل رئيساً مدنياً" وقال فيها بأن الدين قد استخدم كأداة من خلال شيخ الأزهر والبابا القبطي اللذين كانا حاضرين عندما ألقى عبد الفتاح السيسي كلمته التي أعلن فيها تنحية الرئيس المصري. وهو يقر بأن الجميع قد ارتكبوا الأخطاء، ولكنه يعتقد بأن الحدث يعيد إلى مقدم المسرح نقاشاً عربياً قديماً: علام يمكن إرساء شرعية النظم السياسية في هذه المنطقة من العالم؟
إن عبارة الرئيس بومدين التي يدعو فيها المسلمين إلى ضمان حد أدنى من الكرامة الاجتماعية للمسلمين عبر تمكينهم من تأمين سبل العيش الكريم (العمل، المسكن، والتعليم والعناية الصحية) هي، من وجهة نظرنا الوسيلة التي تشكل أكثر من غيرها ضمانة لتجنب استخدام المقدس كأداة. فالفوز بالجنة هو أيضاً وأولاً أن يكون المرء قادراً على الاختيار. والقرآن يذكرنا بأن الإكراه على الإيمان معصية، وبأن الإسلام هو، على العكس من ذلك، كسب قلوب الآخرين .
عندما سئلت أيفا فيتراي مايروفيتش، تلميذة جلال الدين الرومي، عن سبب اعتناقها الإسلام أجابت بهذه العبارة الرائعة: " أنا لم أعتنق الإسلام ولكنني انسبت فيه انسياباً". وقصدها، برأينا، هو تلك الجاذبية التي لا تقاوم والتي يتمتع بها دين هو، في جوهره، دين سلام ورحمة ومغفرة. أما ما فعل به البشر فقضية أخرى. والبشرية في زمن الويب 2. صفر تحلم بالحرية والديموقراطية والاختيار.
الأيام القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لمصر إذا لم ينتصر فيها العقل .
فالاسلام لم يدخل البلاد العربية علي يد جماعة الاخوان و لم يخرج من مصر بسقوط مرسي ، بل ان تلك الجماعة علي مر عصورها بكافة افعالها الارهابية و التضامن مع الجماعات الارهابية الدولية و تدمير مجتمعاتها و اثارة الفوضي و الانقسام فيه قد اساءت الي الاسلام الحقيقي و اساءت الي المواطنة باعلاء الجماعة و مصالحها علي الاوطان و خيانتها و عمالتها للغرب و استدعاؤه الدائم ضد الاوطان ، وليس هنالك مجال للشك في أن الغرب الذي "جرب" الحل الإسلام السياسي في جماعة الاخوان الارهابية في البلدان الإسلامية في إطار نظرية الفوضى البناءة التي نظّرت لها غونديليزا رايس، وبعد أن جرب الأغذية المعدلة جينياً، لن يتراجع وسيراقب التداعيات وسيعمل، بالمشاركة مع "إسرائيل"، على إقامة النظام الشرق أوسطي القائم على تفتيت العرب كحل نهائي ودائم، وعلى دفن آمال الفلسطينيين بإقامة وطن لهم، وهم الذين لم يبق لهم غير 10 بالمئة من أرض فلسطين بتفاعل و تعاون تام من حماس الاخوانية .
ولكي يكون الدرس شديد الوضوح أيضاً، أصبحت صور جمال عبد الناصر إلي جانب صور السيسي مرفوعة في كل مصر، و الأصوات تصدح بأناشيد الزمن الجميل، ما أثار الرعب في قلب أعداء الأمّة من تل أبيب إلى واشنطن مروراً بعاصمتي عدوان العام 1956، لندن وباريس ، و تضامنت السعودية و الامارات و الكويت و البحرين و الاردن و روسيا و الصين مع مصر في صورة مهيبة تعيد الي العقول صورة حرب أكتوبر المجيدة و لكن تلك المرة ضد أرهاب الاخوان و من يدعمونه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق