لم يكن الرئيس المصري السابق محمد
مرسي يتصور أن اليوم الذي كان يأمل أن يحتفل فيه بالذكرى الأولى لتوليه السلطة، هو
نفسه اليوم الذي سوف يضعه فيه الجيش تحت الإقامة الجبرية، على خلفية ثورة شعبية
كاسحة تطالب بتنحيه عن منصبه.
لبّت
القوات المسلحة المصرية مطالب الملايين التي خرجت إلى الشارع بإسقاط نظام الإخوان،
واشتركت القيادة العامة للقوات المسلحة مع جميع القوى والأحزاب السياسية والثورية،
وفي حضور المؤسسات الدينية (الأزهر والكنيسة الكاثوليكية المصرية)، إلى جانب
مباركة جميع مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسستا الشرطة والقضاء… في وضع خارطة طريق
للبلاد، يتولى على إثرها المستشار عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة
شؤون البلاد بصورة مؤقتة، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور بعد تعليقه، إلى جانب تشكيل
حكومة كفاءات وطنية مصغرة، ولجنة للمصالحة، ووضع ميثاق شرف إعلامي تلتزم به جميع
وسائل الإعلام في الدولة.
شهدت مصر
ثورة شعبية لم يكن لها مثيل من قبل، من حيث الأعداد المشاركة فيها (التي وصلت بحسب
التقديرات العالمية إلى 33 مليون مصري)، أنهت في أيام قليلة هدفا ظلّت
جماعة الإخوان المسلمين تسعى إليه طيلة ثمانية عقود.
لماذا
فشل الإخوان
في
كتابها “الإخوان المسلمون: من المعارضة إلى السلطة”، تقول الباحثة أليسون بارغتر
قدّمت جماعة الإخوان المسلمين نفسها، خلال الانتفاضات العربية، على أنها الصوت
الحقّ للإسلام” الذي تم إخراسه بالقوة. ونجحت الجماعة في تحقيق الفوز في
الانتخابات التي أعقبت الثورة ووصلت إلى الحكم في مصر، الدولة الكبرى عربيا
وإقليميا، مثلما وصلت حركة “النهضة” ذات التوجه الإسلامي إلى السلطة في تونس، رمز
العلمانية والليبرالية في العالم العربي. لكن لم يكد ينقضي عام على استلام
الإخوان للسلطة في مصر حتى انقلب ضدّهم الشعب، الذي سبق وانتخبهم، وذلك بعد أن
تبيّن له، وفق بارغتر، أن “الأفعال التلقائية لا تشكل فلسفة حكم، مثلما أن القدرة
على الفوز في الانتخابات لا تعكس بالضرورة التأهل للحكم. وعوض أن تتبنّى الجماعة
منهجية مد جسور التواصل مع الآخر التي يتبناها التيار الإصلاحي، استمرت في إعطاء
الأولوية للجانب التنظيمي المتمثل في توطيد السلطة. ومثلما تسببت هذه النزعة
“المحافظة” في حدوث انشقاقات داخل صفوف الإخوان، فإنها أغضبت المجتمع الأوسع الذي
أعلن تمرده ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين”. أسباب كثيرة وعديدة تكمن خلف السقوط
السريع لحكومة الإخوان، وهي أسباب لا يمكن قراءتها بمعزل عن تاريخ الجماعة منذ
نشأتها في مصر سنة 1928 على يد حسن البنا إلى غاية سقوطها سنة 2013 أيضا في مصر
على يد الشعب العصري. وبين هذين الزمنين تاريخ طويل من العنف والبراغماتية تخلّلته
عمليات سرية واغتيالات ومخطّطات دموية قامت بها الجماعة سواء داخل مصر أو عبر فروع
التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. ومثلما جاء نجاح الجماعة في الانتخابات
البرلمانية والرئاسية مفاجئا، وبمساعدة خارجية، جاء سقوطها السريع أيضا مفاجئا،
وبمساعدة نفس الأطراف الخارجية التي وقفت ضدّها هذه المرة. ولم يجد الإخوان في
ماضيهم ولا في السنة التي قضوها في حكم مصر إنجازا يشفع لهم عند المصريين.
وهن
اقتصادي
حفل عام
من حكم الإخوان للدولة المصرية بعديد الإخفاقات والأزمات التي تسبّبت فيها مجموعة
من القرارات الخاطئة لحكومة مرسي وأدّت إلى انهيار الاقتصاد وارتفاع معدلات الفقر
والبطالة وتدهور قطاع السياحة وأزمة التيار الكهربائي والوقود وغلاء الأسعار، فضلا
عن الاخفاق الجسيم في قضية سد النهضة وما تردّد عن منطقة حلايب وشلاتين وتسليمهم
للسودان، والوضع المريب في سيناء.
كل هذه العومل وغيرها كثير تسبّبت في إنهاء سريع لحلم
خطّطت له الجماعة طيلة ثمانية عقود. وصف رشاد عبده، ورئيس المنتدى المصري للدراسات
الاقتصادية والاستراتيجية، الرئيس السابق محمد مرسي بـ”رجل الأزمات الأول”، الذي
تعهد بحل 5 أشياء يعاني مناه المواطن المصري هي: الخبز والنظافة والمرور والبطالة
والكهرباء.
لكن الاحصائيات والأرقام تكشف أن البطالة في عهد محمد
مرسي ارتفعت من 13،2 بالمئة إلى 22 بالمئة، مثلما ارتفع العجز في الموازنة من 135
مليار جنيه إلى 222 مليار جنيه. وتراجع التصنيف الائتماني في مصر 4 مرات.
ويردّ
الخبير الاقتصادي، رشاد عبده، على الذين أرجعوا هذا الضعف في الاقتصاد إلى حالة
البلاد التي لاتزال تحت وطأة المرحلة الانتقالية، بأن الانهيار الاقتصادي الذي
شهدته مصر في السنة الأولى من حكم مرسي هو الأسواء في تاريخ البلاد منذ أكثر من 80
عاما، أي منذ الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 1929. وأضاف: “على الرغم من أنه في
عام 1967 كانت جميع موارد الدولة مسخرة للحرب، إلا أننا لم نشعر
بالأزمات التي يعيش فيها الشعب المصري حاليا، والتي فاقمها تعيين الرئيس السباق
محمد مرسي لأشخاص بلا كفاءات. فهو استعان بالأهل والعشيرة
واستطاع أن “يخرب بيت مصر”.
عشرية
الجزائر… الإخوان يغتسلون استعدادا للشهادة
محمد نوار
حرب
العشرية السوداء في الجزائر (1992 – 2002) صراع مسلح قام بين النظام الجزائري
وفصائل إسلامية وقع النزاع عقب قيام الجيش الجزائري
بإلغاء نتائج الانتخابات التشريعية لعام 1991، بعد فوز الإسلاميين بأغلبية ساحقة،
ووسط مخاوف من تكرار هذه التجربة في مصر. بوادر الأزمة بدأت تلوح في الأفق
بعد أن قال الرئيس محمد مرسي في خطابه الأخير: “حياتي ودمي ثمن للشرعية”، حيث أعلن
عن بدء حرب أهلية بين مؤيديه ومعارضيه بقرار رئاسي، كانت حصيلتها وفاة العشرات
وإصابة المئات في اشتباكات دموية شهدتها البلاد قبل أن يتدخل الجيش ويعزل الرئيس.
وتباينت ردود أفعال الخبراء السياسيين حول مدى إمكانية تكرار النموذج الجزائري في
مصر، ونشوب اقتتال بين الإسلاميين والجيش. يتعامل الإخوان ومؤيدوهم من الإسلاميين
مع الشعب والقوات المسلحة على أنهم انقلابيون، ويتوضّح ذلك من تصريح محمد بديع،
مرشد الإخوان، الذي يقول: “على أعضاء الإخوان أن يغتسلوا استعدادا للشهادة”.
عبد
الرحيم علي الباحث في تاريخ الحركات الإسلامية قال: إن سيناريو الجزائر أمر متوقع
بعد أن ترك مرسي البلاد تحترق بسبب تحريضه على العنف وسفك الدماء، كما أن لجوء
جماعته ومؤيديه إلى اتخاذ هذا المسلك الفوضوي سيؤدي إلى زعزعة استقرار البلاد، في
حين أن القوات المسلحة يقع عليها عبء وطني وأخلاقي في ردع هؤلاء الذين أثبتوا
للمصريين والعالم أنهم دعاة عنف. ولفت عبد الرحيم علي إلى أن مرسي وجماعته انهاروا
شعبيّا وأضاعوا فرصة الخروج الآمن والتواجد داخل الحياة السياسية مستقبلا،
والمشاركة في كافة الانتخابات القادمة، وسيكون وجودهم مقتصرا على التردد بين
السجون والمعتقلات بسبب الدماء التي يحرضون على سفكها. هذا الرأي يؤيّده أيضا
مصطفى النجار، الخبير السياسي، نظرا لأن الجماعات الجهادية والمتشددين الإسلاميين
يستطيعون القيام بعمليات تفجيرية لترويع المواطنين، أو القتال مع القوات المسلحة
على طريقة حرب الشوارع، وهم ناجحون في ذلك وتحديدا في سيناء. كما أن ميليشيات
الإخوان انتشرت في محافظات الجمهورية لمواجهة الشعب.
واستطرد
النجار قائلا إن سيناريو تجربة الجزائر يلوح في الأفق، لكن هناك فوارق، أهمها:
أولا: أن القوات المسلحة المصرية قادرة على ردع التنظيمات الجهادية والإرهابية
وتعرف أماكن تواجدها، وتستطيع هدم حصونها في الجبال والأماكن الوعرة. ثانيًا: لن
يكون هناك رئيسا حاميا لـ”الإرهاب” ويدافع عنه، أو يكبح جماح الجيش في صد هؤلاء،
بل وزير الدفاع الحالي هو المشرف على هذه العمليات العسكرية لحين عودة الأمن
والاستقرار للبلاد.
في
المقابل يرى عبد الله الأشعل، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية، أن مصر
باتت في مرحلة
قريبة من تكرار النموذج الجزائري لكن بطريقة مختلفة، والخطورة تكمن في أن الجيش
المصري يقف على حدوده عدو متربص لتصيد الأخطاء، ولن يتفرغ لمواجهة الجماعات
المسلحة أو التيارات الإسلامية أو الجهادية، ورغم أن المتشددين في مصر ليسوا بنفس
تشدد إسلاميو بلاد المغرب الإسلامي، إلا أن المواجهة مع العسكر تحمل نتائج مخيفة
لاستقرار الدولة بأكملها. وفي رأي قطب العربي، عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان
المسلمين، أن المشهد الحالي الذي تشهده مصر يجعل المواجهة بين الإسلاميين والقوات
المسلحة أمرا واردا. وأكّد أن هذه المواجهة قد تجر البلاد إلى النموذج الجزائري
خلال فترة التسعينات.
(وكالة الصحافة العربية)
صيف ثوري
ساخن في بلاد النيل
ثلاثة
«مقدّسات» عند المصريين، لا يجوز عند الشعب المصري المساس بها وهي: الأزهر الشريف
والأهرامات ونهر النيل. وقد حاول الإخوان الاقتراب من هذه المقدّسات، فحاربوا
الأزهر وحاولوا
التغلغل داخل مؤسّسته المعتدلة؛ واعتبروا الأهرامات والفراعنة أصناما أفتى شيوخهم
بهدمها؛
وفي
عهدهم أوشكت مصر على أن تفقد نيلها الذي يمدها بالحياة. كما استهان مرسي وجماعته
بمفهوم الدولة «القومية»، دون وعي منهما بأن القومية، حتى ولو لم تعد واقعا، فإنها
تبقى عند المصريين رمزا لهوية الدولة المصرية وقيادتها العربية. ولم يكتف الإخوان
بذلك، بل حاولوا بث الفتنة الطائفية من خلال الدعوات إلى محاربة الأقباط، الذين
يعتبرون حجر أساس في المجتمع المصري؛ وأيضا حرضوا على قتل الشيعة.
محاولة
جماعة الإخوان المسلمين تغيير هوية مصر الفرعونية والقبطية والإسلامية والموغلة في
عمق التاريخ ومحاولة قصرها على التاريخ العروبي الإسلامي عجّلت بنهاية الحقبة
الإخوانية. وجماعة الإخوان هي المسؤولة الرئيسية عن فشلها، وفق المحلل السياسي
الاسرائيلي رأوبين باركو، فسياستها جعلت «الوجه القاتم للرئيس السابق حسني مبارك
يتلاشى خلال عام واحد من حكم مرسي الذي أوجد للشعب المصري مبررا لكي يشعر بالحنين
إلى مبارك».
الجيش
والرئيس
الخلاف
بين مؤسسة الرئاسة والقوات المسلحة في مصر لم يبدأ بخروج الشعب إلى الميادين
للمطالبة برحيل نظام الإخوان، ولكنه يرجع إلى يوم 17 يونيو عندما أصدر المجلس
العسكري الذي كان يدير شؤون البلاد حينئذ إعلانا دستوريا مكملا يحمل بين مواده
الكثير من القيود على سلطات الرئيس الذي كان من المنتظر انتخابه وقتها، وهو الأمر
الذي دفع محمد مرسي إلى إلغاء هذا الإعلان الدستوري، للتخلص من هيمنة الجيش على
السلطة.
وقد خدمت
الظروف الإخوان إذ وقع حادث رفح، واتهم الجيش بالتقصير. وقام الرئيس بعد الحادث
بإقالة مدير المخابرات العامة وقائد قوات الأمن المركزي ومحافظ شمال سيناء، واستغل
ما تعرض له رئيس الوزراء هشام قنديل من إهانة أثناء تشييع جنازة الجنود، وأقال كلا
من قائد الشرطة العسكرية ومدير أمن القاهرة.
كان هناك
ما سمي يوم الثورة الثانية، وهي ثورة على حكم مرسي الفاشل، وكان مخططا لها يوم 24
أغسطس. هنا قام الرئيس السابق في 12 أغسطس بإعلان دستوري ألغى فيه «الإعلان
العسكري»، وقام بتنحية المجلس العسكري نفسه، وتغيير وزير الدفاع ورئيس الأركان
ورئيس هيئة العمليات وبعض قادة أفرع الجيش وقادة الجيشين الثاني والثالث. تم ذلك
وسط ذهول عام، لجرأة الرئيس وصمت الجيش واستجابته. ورغم أن الأوضاع أصبحت مستقرة
في علاقة الجيش بالرئيس، لاسيما بعد أن حصل الجيش على ما يريد من امتيازات في
الدستور، وبقاء الكلمة الأخيرة له في بعض الأمور كمشروع تنمية سيناء والترشح
للانتخابات ومياه النيل، إلا أن مؤشرات كثيرة تشير إلى غير ذلك، فوزير الدفاع ما
انفك في خضم الخلاف بين الرئيس والقوى السياسية والشعبية يصدر تصريحات تشير إلى
وقوف الجيش إلى جوار الشعب، وعدم استخدام العنف إزاءه، وهي تصريحات ربما أثارت غضب
الرئيس والجماعة. كما أن حادث اختطاف الجنود بالعريش أثر بشدة على العلاقات بينهما.
السياسة
الخارجية
اتسمت
السياسة الخارجية المصرية في عهد الإخوان بالتراجع الشديد كلاعب إقليمي ودولي هام
في منطقة الشرق الأوسط، ووصلت إلى درجة من التبعية للقوى العالمية (وعلى رأسها
الولايات المتحدة) لم تصل إليها من قبل، حتى في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك. فقد
كان الإخوان على استعداد لتلبية جميع مطالب واشنطن في سبيل الحفاظ على دعمهم
للبقاء في الحكم.
وتدهورت
العلاقات المصرية مع دول الخليج، رغم وجود ملايين المصريين الذين يعملون في هذه
الدول.
نظام حكم
الإخوان في مصر فشل في كل شيء، ولم ينجح في إيجاد حلول لأي من الملفات الشائكة
التي كان عليه أن يتعامل معها، وأن المشكلات والأزمات التي تعرض لها المواطنون
المصريون خلال عام واحد من حكم الإخوان، كادت تقترب من حجم الأزمات التي واجهها
الشعب المصري طيلة ثلاثين عاما من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. فالشيء الوحيد
الذي نجح النظام المصري في تحقيقه هو قسم الشعب إلى نصفين، وزيادة حدة الاستقطاب
بين القوى والفصائل السياسية المختلفة، إلى الدرجة التي هددت السلم الاجتماعي،
وبدأت تنذر باقتراب حدوث اقتتال شعبي، وحرب أهلية على أرض الكنانة.
الإخوان
80 سنة من مطاردة السلطة
وليد أبو
السعود
«ظلوا
سنوات عديدة يحلمون بالسلطة وعندما وصلوا إليها اكتشفوا إنهم لم يخططوا كيف
سيحكمون»، هذه مزحة مصرية انتشرت أثناء العام الذي حكم فيه الرئيس المصري المعزول
محمد مرسي وهي تعكس واقعا لا يمكن تجاهله على أرض الواقع.
والحقيقة
أن مشروع الإخوان نفسه يحمل داخل طياته عوامل سقوطه، فهو مشروع يدعو للطائفية
الضيقة جدا، وهو هنا لا يعني المسلمين مثلما يدل من اسمه، بل طائفة صغيرة هم
المنضمون لنخبة جماعة الإخوان المسلمين. وهذا ما تسبب في تغليبهم لمبدء أهل الثقة
لا أهل الخبرة، وهو ما حدث طوال العام الماضي في مصر.
لو
حاولنا تفسير لماذا سقط الإخوان بهذه السرعة نستطيع أن نلخص الإجابة في عدة عوامل
أهمها لجوؤهم لمبدأ التقية الشهير ومبدأ فرق تسد الذي اتبعوه، وحتى قبل رحيل
مبارك. فهم من ذهبوا للجلوس مع عمر سليمان وعقدوا صفقة انتهت بتقليل عدد شباب
الإخوان بالميدان، قبل أن تجري تحت الجسور مياه كثيرة انتهت بخلع مبارك وتولي
المجلس الأعلى للقوات المسلحة قيادة البلاد.
كان
الإخوان أول من غادر الميدان وبدأوا معركتهم بالتحالف مع العسكر ضد رفاق الميدان
بالأمس ومعهم باقي فريق التيار الإسلامي. وأولى مظاهر التصدع الذي خلقوه في الصف
الثوري جاءت مع إصرارهم على استفتاء مارس الشهير على الدستور وكيف طالبوا الناس
بالتصويت بنعم لأن نعم تعني نعم للإسلام.
يومها
ظهرت تشققات في الجدار الثوري المصري. بعدها جاءت أحداث محمد محمود الأولى
والثانية لتؤكد أن الجماعة اختارت أن تخرج من الحراك الثوري وتتحرك بعيدا عنه.
وكانت معركة انتخابات مجلس الشعب وما تلته عندما حصل الإسلاميون على الأغلبية
البرلمانية وتقدم الإخوان فيها لكل المقاعد بالرغم من أنهم أعلنوا واتفقوا من قبل
على الترشح فقط لنسبة لا تتجاوز الـ40 بالمئة من المقاعد.
وذهب
شباب الثورة للبرلمان في أولى جلساته ليبلغوه مطالبهم ليفاجأوا بشباب الإخوان وقد
صنعوا لجانا شعبية مارست العنف ضدهم؛ وبدأت للمرة الأولى مظاهر اختطاف السلطة.
وجاء بعدها العديد من الحوادث والنقاشات في البرلمان، منها محاولة اتهام شباب
الثورة بالخيانة من قبل مصطفى بكري وكيف أيده وقتها كل نواب التيار الإسلامي.
وتلته
معركة اللجنة التأسيسية للدستور والتي ضغط الإخوان واستطاعوا بدعم التيارات
الإسلامية الأخرى أن يحصلوا على أغلبية لجنة كتابة الدستور بإصرارهم على التمثيل
بنفس نسب البرلمان وهو ما تحقق بالفعل. وبعدها كانت معركة الرئاسة وترشيح جماعة
الإخوان للنائب العام خيرت الشاطر وبعده محمد مرسي بالرغم من تعهداتهم بعدم الترشح
للمنصب كي لا يتهموا بالسيطرة على كل المناصب. وكان هذا ثاني أبرز تعهد خالفه
الإخوان. جاءت الجولة الثانية وتحالفت كل القوى الثورية مع الإخوان كي لا ينجح
الفريق أحمد شفيق. وتعهدت الجماعة للمرة الثانية بحكومة إئتلافية وإعادة تشكيل
لجنة كتابة الدستور. وهذه الوعود ذهبت كلها أدراج الرياح.
ومنذ
انتخاب مرسي وبعد فشل مشروع المئة يوم وتعهداته فيها والأمور محتقنة في الشارع
المصري وخصوصا بعد أحداث الذكرى الثانية للثورة ومقتل محمد جابر، الشهير بجيكا،
لتستمر التحديات بين شباب الثورة وجماعة الإخوان المسلمين حتى وصلنا إلى معركة
التعديلات التي أصدرها محمد مرسي. هذه التعديلات اعتبرها الشعب المصري غير
دستورية، وهو ما بدا معركة مبكرة ضد الدستور والتعديلات الدستورية. وهي المعركة
التي تم فيها تدشين جبهة الانقاذ وحصدت ما يزيد على ثلث الاصوات في معركة «لا
للدستور».
وكانت هذه هي القشة التي قسمت ظهر الإخوان وتعاليهم في
التعامل مع مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش، عندما رفضوا دعوة عبد الفتاح السيسي،
قائد الجيش، لكل القوى للحوار الوطني وتسببوا في إحراج المؤسسة العسكرية بإلغائهم
الدعوة قبل موعدها بنصف ساعة. لتبدأ كرة الثلج في التدحرج وتأخذ في طريقها العديد
من الأشياء حتى كانت حملة «تمرد»، التي تعامل معها الإخوان بتعال، ليجد فيها الشعب
المصري فرصته للخلاص من الإخوان.
وصل
المصريون ليوم 30 يونيو وهو مشحونين بالغضب ضد الحماقات العديدة التي ارتكبها
الإخوان، ومن أبرزها الإصرار غير المبرر على في إبقاء هشام قنديل رئيسا للحكومة
رغم فشله ووزارته، على جميع الأصعدة. وآخر هذه الحماقات اختيار علاء عبد العزيز
وزيرا للثقافة، لينفجر المحيط الفني والثقافي ضد الإخوان.
طوال
الوقت استقوت جماعة الإخوان المسلمين بالدعم الأميركي الذي كان سببا عجّل
بنهايتها، بالإضافة إلى عجزهم عن رؤية حقيقة ما يحدث بمصر، حتى وصلوا إلى لحظة
السقوط المدوي التي أعادتهم إلى أجواء عام 1954.
ويمكننا
تلخيص اسباب سقوط الجماعة في أنها قد أبتليت بعدد من القادة الذين تخطى الزمن
أفكارهم فأطاحوا بالجماعة وخلقوا بها شروخا قد تؤدي لغرق سفينتهم تماما ويذكرهم التاريخ كجماعة منقرضة
وعبرة لكل من يريد ان يظل بمفرده فقط على الساحة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق