تصور جماعة الإخوان المسلمين نفسها في مصر على أنها منظمة ديمقراطية. لكن أعضاء سابقين في هذه المنظمة يتحدثون عن هياكل هرمية تعتمد على الخضوع والولاء المطلق للقيادة: فهل الديمقراطية التي يروج لها الإخوان مجرد واجهة؟
كان أسامة درة لعشر سنوات عضوا في جماعة الإخوان المسلمين قبل أن يدير لها ظهره عام 2011. وكان أحد أصدقائه في المدرسة الثانوية قد حدثه عن الجماعة قبل أن تصبح محظورة وتمارس نشاطاتها السياسية في كنف السرية. حينها كان أسامة شديد التدين. وبسبب الظروف المعيشية الصعبة إبان الحكم الديكتاتوري للرئيس السابق حسني مبارك فقد كانت عملية استقطاب أعضاء جدد من الأمور السهلة بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين الذين قدموا أنفسهم على أنهم "قريبون من الله" و المنظمة التي تجسد "الإسلام الحقيقي".
ولكن أسامة درة سرعان ما اصطدم مع هياكل المنظمة الهرمية ومع سياسية الرضوخ والخنوع في صفوف الإخوان. "لقد وصل الأمر إلى درجة أن البعض كان يقبل الأيادي. هذا الأمر لم آخذه على محمل الجد، وبالتالي فإنهم لم يثقوا في ثقة كاملة. لا يريدون أن يفكر أحد باستقلالية، وإنما أن يتبع التعليمات".
وكان هذا أيضا السبب الذي أبطأ من ارتقاء أسامة السلم داخل المنظمة. ويقول أسامة إن الترقية السريعة كانت من حظ الأعضاء الذين اُعتبروا على أنهم منضبطون وعلى درجة عالية من الولاء والذين كانوا يتمتعون بدخل مالي عالي، ذلك أنه يتعين على كل عضو تخصيص نحو 7 بالمائة من مداخليه للمنظمة.
"الانضباط مهم جدا ولكن الجماعة ديمقراطية"
أسامة درة يقول إنه ترك جماعة الإخوان المسلمين بعد أن كان عضوا فيها لعشرة أعوام، معتبرا أنها ليست ديمقراطية...
ياسر محرز، أحد المتحدثين الثلاثة باسم جماعة الإخوان المسلمين، يؤكد على أهمية الانضباط داخل المنظمة، لكنه يرفض ما يوجه للجماعة من اتهامات بـ"الطاعة العمياء"، معتبرا أن المعارضة تروج لهذه الصورة عن الجماعة في وسائل الإعلام وفي الخارج. "لكن هذا ليس صحيحا. نحن أحرار ونفكر باستقلالية كما أننا مبدعون. لكن الانضباط مهم جدا."
ويذهب ياسر إلى درجة وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها ديمقراطية. ويوضح أن عملية اتخاذ القرار تتم داخل المنظمة ابتداء من أصغر وحدة داخل المنظمة إلى أعلى تمثيل، مجلس الشورى، من خلال انتخابات ديمقراطية. ويلفت إلى أن الأعضاء ال19 في مكتب القيادة للمنظمة يتم انتخابهم من قبل مجلس الشورى. ولكن أسامة درة لا يرى في جماعة الإخوان المسلمين منظمة ديمقراطية. بالنسبة له هناك آليات مختلفة تحدد من له القول الفصل في صلب المنظمة: "لكل عضو بارز داخل الجماعة طلبة مطيعين. وعندما يعرف هؤلاء أن معلّمهم يفضل مرشحا معينا خلال الانتخابات، فإنهم سيصوتون لهذا الشخص".
"ولاء وخضوع والهدف ضمان السلطة"
ويشير أسامة درة إلى أن فلسفة الخضوع والولاء المنتشرة على نطاق واسع والخوف من فقدان السلطة تفسر التصرفات السياسية الحالية لجماعة الإخوان المسلمين: "قيادتهم تهدف في الوقت الحالي إلى ضمان السلطة. والإيديولوجية تأتي في المرتبة الثانية، فعلي سبيل المثال قام بعض الأعضاء البارزين في حزب جماعة المسلمين بوعود مغرية للمعارضة بهدف ضمان دعمها لهم. ولكنهم سرعان ما يكسرون هذه الوعود عندما لا يكونون بحاجة إلى مساعدتهم. وفي هذا الإطار يفسر أسامة درة العنف ضد المتظاهرين المناهضين لحكم مرسي والذي برز بوضوح منذ ديسمبر/كانون الأول، بحيث يقول: "حتى وإن لم يكن ذلك قرارا صادرا عن جماعة الإخوان المسلمين، فهناك العديد من الأنصار، الذين يؤمنون بأيدولوجية "الحرب المقدسة". ومن غير المستبعد أن يعتدي هؤلاء بالعنف على المتظاهرين دون تلقي أي تعليمات من جهة معينة داخل المنظمة".
أما ياسر محرز فيفسر العنف الصادر عن بعض أنصار جماعة الإخوان المسلمين من منظور مختلف، وأوضح بأن المتظاهرين أمام القصر الرئاسي في ديسمبر/كانون الأول عام 2012 بدوا وكأنهم من أتباع الثورة المضادة، وخوفا من سقوط الرئيس مرسي استخدموا العنف ضد المتظاهرين.
أما بالنسبة لأسامة درة فقد أصبح الأمر بعد عشر سنوات عضوا داخل الجماعة واضحا: هياكلها وعقليتها ليست ديمقراطية. وفي النهاية يبقى السؤال بالنسبة له: كيف يمكن لرئيس أتى من هذه المنظمة أن يؤسس ديمقراطية حقيقية في مصر؟
الموقع
الاخباري الالماني
dw
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق