دون
اختلاف جوهري في الأسس والمبادئ استخدمت قطر فكرة المصلحة في السياسة
تماما
مثل الأخوان في تركيا و مصر و تونس و الجزائر و باقي البلاد العربية ،
فتركيا
التي قدمت نفسها للعالم العربي باعتبارها نصير
المظلومين
والمقهورين لم تتردد لحظة في قصف المعارضين لها ولم تقبل أن تعترف
بالمذابح
التي ارتكبتها مرجعيتها الدينية والتاريخية، كذلك فعلت قطر فعبر قناة
الجزيرة
قدمت نفسها باعتبارها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية والداعم
الأكبر
للثورات العربية ولكنها تناست أو تجاهلت أنها صاحبة أكبر علاقات عربية
مع
إسرائيل وأنها صاحبة أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، فكيف يمكن فهم
هذه
العلاقة المتناقضة: دولة تدافع عن فلسطين عبر إعلامها وفي نفس الوقت تقيم
علاقات
متينة مع إسرائيل؟ إنها المصلحة ليس أكثر.
إن
الحضور الإخواني في قطر أبلغ من أن يتم الحديث عنه وهو له أصل تاريخي معروف
وواضح،
بدأ منذ الضربات القاتلة التي وجهها الرئيس المصري الراحل جمال
عبدالناصر
للإخوان المسلمين وأسفرت عن مغادرة عقول إسلامية مصرية إلى قطر
أشهرها
الشيخ يوسف القرضاوي حيث وجدوا في قطر أرضا خصبة للممارسة ونشر أفكارهم
"الإصلاحية"
التي اتسمت في نهاية المطاف بطابعها الإخواني دون انتمائها رسميا
للإخوان،
فالتحليل الأخير يشير إلى أن وجود جماعة الإخوان المسلمين في قطر
ودول
الخليج ليس بنفس الشكل المنظم في الدول العربية الأخرى وهو ما يمكن
ملاحظته
في إفصاح القرضاوي عن نفسه أو في موقف الجماعة منه فهو ليس إخوانيا
ولكنه
بالنسبة للإخوان عالم جليل، الخلاصة أن الإخوان لم يكن لهم وجود على
مدار
سنوات طويلة في قطر ولكن روحهم وفحوى فكرهم كانت هي الموجودة.
بعد
الثورة المصرية ظهر توجه جديد في قناة الجزيرة أظهر موالاة واضحة للإخوان
المسلمين
في مصر وظهرت أحاديث وتقارير صادرة عن جهات رسمية عربية وغربية تشير
إلى
صفقة بين الأخوان المسلمين وقطر وأميركا وإسرائيل على دعم الربيع العربي.
وبعيدا
عن فكرة المؤامرة أو حلم التقسيم الغربي للعالم العربي فإن الثابت أن
الثورة
قامت في كثير من البلدان فلم يكن أمام إسرائيل وأميركا إلا العمل على
إيجاد
بديل قادر على مواصلة السير وفقا للمصالح الأميركية، وكان هذا البديل من
الضروري
أن يتمتع بقبول شعبي عربي ولم يكن هناك بطبيعة الحال سوى الإخوان
المسلمين
أصحاب التركيبة العنصرية و المصلحية الأبرز في تاريخ الكفاح السياسي العربي، فوصل الإسلاميون
في تونس وليبيا ومصر وحتى في المغرب التي لم تقم فيها ثورة إلى الحكم، مما يشير إلى
أن الولايات المتحدة باتت راضية عن هذا الخيار وكان عليها أن تبحث عن موطن جديد يحتوي
الإخوان ويضمن الولاء للولايات المتحدة وأمن إسرائيل فلم يكن هناك أفضل من قطر.
فقطر
أكثر قربا للعرب من تركيا، وأكثر اتباعا للأميركان من تركيا، وأكثر نفوذا
عبر
إعلامها للرأي العام العربي من تركيا، وفيها الشيخ القرضاوي العالم الذي
يحظى
بقبول شعبي وإسلامي كبير في العالم العربي باعتباره عالما وفقيها متنورا
ومعاصرا
عقلانيا وقادرا على وضع تشريعات فقهية تمهد الطريق أمام سيطرة الإخوان
من
قطر التي تباركها إسرائيل وأميركا.
وقد
يتساءل البعض: كيف للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم
التاريخيين:
أميركا وإسرائيل؟ والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع
الأميركان
والإسرائيليين رغم إعلامها العدائي لهما، ومثلما أدانت تركيا قتل
الشعب
السوري وأباحت لنفسها قتل الأرمن والأكراد ومثلما شارك الإخوان المسلمين
في
الثورة المصرية وتسللت قياداتهم خلسة للقاء عمر سليمان بينما المصريون
وشباب
الإخوان قابعين في الميدان يطالبون بإسقاط مبارك وكل نظامه، والقاسم
المشترك
في كل ذلك ليس إلا "المصلحة".
لعبة
المصلحة السياسية قد نفهمها ونقبل قواعدها أو نرفضها ولكن في نهاية الأمر
لا
يجب أن ننخدع بها، ولا يجب التعامل مع كل من يجعل جواد المصلحة مطيته على
أنه
فارس آخر الزمان، لأن التحليل الرصين والهادئ يثبت أن كل من يخوض العمل
السياسي
في عصرنا الراهن لا يسعى إلا إلى تحقيق مصالحه، أما مصالح الضعفاء
والمقهورين
فقد يتبناها هذا الطرف أو ذاك فقط لمجرد الوصول إلى مصالحه الخاصة
حتى
ولو تاجر بأحلام كل المقهورين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق