توتر العلاقة بين
جماعة الإخوان المسلمين والمملكة العربية السعودية، والتى أصبحت فى العلن بعد أن كانت
المملكة داعما للإخوان ومدافعا شرسا عنهم
بداية التوتر يعود
إلى شهر فبراير الماضى حينما علم الديوان الملكى بأمر الاجتماع التنظيمى الذى أقيم
فى تركيا للتنظيم الدولى للإخوان بحضور العديد من قيادات التنظيم وعلى رأسهم راشد الغنوشى
زعيم حركة النهضة التونسية، وهو الاجتماع الذى استمر 9 ساعات كاملة، وتخللته فترة غداء
واستراحة استمرت ساعة واحدة، وحضره 23 عضوا في التنظيم.
وخصص هذا الاجتماع
لمناقشة عدة قضايا شائكة كان أبرزها ما هو متعلق بحكم الإخوان فى مصر وأزمة الإخوان
فى الخليج إضافة إلى وضع الإخوان فى تونس، مما أزعج السعودية فى هذا الاجتماع كان ما
طرحه الشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة فى تونس والقيادى الإخوانى البارز، واقترح
الغنوشى فى الاجتماع أن يتم شهر جماعة الإخوان على مستوى دولى بحيث تصبح هذه الجماعة
من جمعيات منظمة المؤتمر الإسلامى -التى أنشأها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في
فترة الستينيات .
اهتزاز العلاقة مابين الاخوان المسلمين في مصر والخليج هل هي سحابة
صيف؟
يتوهم من يعتقد ان العلاقة القوية التي اهتزت في ظل صعود حكم
الاخوان في مصر بين المملكة السعودية وباقي دول الخليج كالإمارات والكويت هي
بمثابة سحابة صيف ستنقشع. هذا ماعبر عنه السفير المصري في الإمارات والمتحدث
الرسمي باسم الاخوان المسلمين محمد غزلان في مصر.
لكن بالمقابل هناك على النقيض تصريحات متشنجة صدرت من رجال حكام
الخليج تعطي معنى يخالف معنى السحابة ولايخفف من وصف التوتر بل يؤشر الى وجود
انقلاب عكسي حاصل للعلاقة المتينة والتاريخية بين البلدين استمرت اربعين عاماَ
فوزير الداخلية السعودي الأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز كان قد وصف الإخوان بأنهم
أصل البلاء، ويشير إلى تنكرهم للمملكة التي آوتهم، وقال: ظهر التنكر في موقفهم
إزاء الغزو العراقي للكويت. وقد استقبلناهم بشكل جيد إلا أنه مع الاسف وجدناهم
يقومون بتأجيج أبنائنا علينا واصفا إياهم بالمكر والخداع.
كذلك قائد شرطة دبي ضاحي الخلفان كان قد شن سلسلة هجمات عنيفة وقال
ان الإمارات، مثل الدول الخليجية الأخرى، استقبلت الإخوان، حين فروا من دولهم قبل
35 عاما وأتوا مشايخ وعلماء، وبذلك الوقت لم يكن للناس هنا أي إلمام بتنظيم
الإخوان ولا غاياته واعتبروهم مشايخ، وقع عليهم ظلم وفروا من ديارهم وتم استقبالهم
استقبالا طيباً.
اما الملياردير السعودي الوليد بن طلال وفي مقابلة بثتها 23 قناة
في 3 ابريل لهذا العام وصف ثورات 'الربيع العربي' بـ'الدمار العربي'، وفي نفس
المقابلة شن هجوماً لاذعاً على جماعة الاخوان المسلمين، وقال، 'هنالك روائح
اخوانية في السعودية وانا اقول اعوذ بالله من دعم الاخوان'. وآلامير الملياردير
السعودي صاحب ثروة تقدر ب29 مليار دولار الذي يصفه البعض بانه يسعى ان يكون مردوخ
العرب عندما يقول أعوذ بالله من دعم الاخوان كأنما يريد ان يخفي شيئاَ من مردودات
هذه الوصف. فلا اعتقد وصف بهذا الحجم قابل ان يضع الخلافات والتوتر الحاصل بين مصر
الاخوانية والسعودية وحتى باقي دول الخليج كالإمارات بسحابة صيف ستنقشع.
هذا اضافة الى حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي الذي اتهم
الاخوان بفرض فتاواهم وتشريعاتهم وافكارهم على الاماراتيين وقال: ليس لهم الحق في
المزايدة على الاماراتين في الدين
هناك سؤال يوجهه حكام الخليج الى الاخوان في مصر هل انهم عضوا اليد
التي امتدت اليهم وآوتهم عندما لم يكن لهم وطن يأويهم ايام المطاردة في عهدي عبد
الناصر والسادات وهل نكروا الجميل والفضل الذي قدم لهم ايام الاضطهاد وبدءوا
يحرضون شبابنا علينا؟
التصريحات المتشنجة التي صدرت تجاه الاخوان تكشف ان الازمة اعمق من
ان توصف بسحابة صيف ستنقشع بقدر ما تعكس هشاشة التحالف الذي كان صلباً ذات يوم بين
الطرفين، مما اثر بوضوح عن تخلي وتراجع الوعود التي اطلقتها العديد من الدول
الخليجية في دعم الاقتصاد المصري بعد 25 يناير ب 8 مليارات دولار لكن الحقيقة وكما
يؤكد المصريون انها لم تصل الا مليار واحد باستثناء قطر التي واعدت ب 2.5 مليار
دولار منها نصف مليار منحة ومليارين عبارة عن ودائع، هذا التراجع تعلله الدول
المتراجعة الى عدم الاستقرار السياسي وعدم اتضاح الروىء ومخاوف من ان يتغلغل
ويخترق بلادها نفوذ الاخوان المسلمين
هناك من يتفهم سبب هذه التصريحات فمصر مهددة امنياً وسياسياً
والميزانية المصرية تعاني من عجز قدره 28.7 مليار دولار فلابد من طمأنة المتخوفين
وذلك من اجل سد رمق العيش الذي قد تخسره مصر حيال الكنز المالي الخليجي وجلب
المستثمرين وبيع السندات والقروض في محاولة لرفع الاقتصاد المصري.
اسباب كثيرة تقف وراء التوتر في العلاقة بين مصر الجديدة وبين
المملكة وباقي دول الخليج وعلى رأسها الامارات باستثناء دولة قطر التي تتبنى
المشروع الاخواني لدول الربيع. هناك من يشير بأصابع اتهام الى قطر بأنها تشارك مع
من يرسم لمخطط مدروس لتدمير ارض الكنانة خدمة للمشروع الصهيوني كما هو حاصل في
تدمير سورية والعراق من خلال دعم جماعة ضد اخرى تنتج عنه فوضى سياسية متنازعة بين
الاطراف الداخلية بالتالي تؤثر سلباَ على استقرار البلد، وحتى هناك تذمر من دعم
دولة قطر لحركة حماس الاخوانية بشروط تقيد حماس من التصدي على حساب الجماعات
الاخرى مما يزيد من مشهد الخلافات الداخلية لهذه البلدان وقد اكد هذه الاتهامات
الموجه الى قطر قائد شرطة دبي ضاحي الخلفان عندما قال ان التحقيقات الاماراتية
كشفت ان هناك دور لتنظيم الإخوان في البلاد، وعن وجود دور قطري، بالتنسيق مع
قيادات جماعة الإخوان في مصر، في خطة حملت عنوان «الإمارة 2»، تستهدف تغيير نظام
الحكم، في واحدة من أهم البلدان المنتجة للنفط. المعنى في الامارة 2 هو اشارة الى
تغيير الحكم في االامارة 1 وهي مصر
لايخفى على احد عن جود وانتشار الاخوان المسلمين في الخليج والاردن
وقد يعتبر أقدم تنظيم إسلامي في المنطقة، إلا أن موضوعه محاط بسياج من السرية
والحساسية ويحاول البعض التقليل من اهميته ويعتبر وجوده ودور اعضاءه بالخليج
لايتعدى اكثر من جباية الاموال. وعلى اكثر الظن كانت هناك دراية واضحة بتواجدهم من
قبل الحكومات الخليجية لكنها كانت تحاول التغاضي والتلقيل من شانهم وتتعامل معهم
بمكيالين مرةَ بمجابهة التيارات اليسارية والقومية قديماً واخرى بعدم نشر افكارهم
التي تتقاطع مع الولاء.
هناك بواعث قلق في المملكة من إمكانية غزو الاخوان واختراق نمط
البيئة الخليجية المحاطة بهالة معينة تفرض قوانينها الطاعة والولاء للملوك
والامراء والخروج عنه خط احمر ولا تسمح بتأسيس لأي حزب ولا العمل على اراضيها
وتقول ان الإسلام الأصيل ليس فيه أحزاب ولم ينشا على فكرة الاحزاب وبالتالي هذا
الاختراق قد يعزز من دعم الجماعات التي تعمل بالخفاء ضد حكم المملكة أو الملوك
والإمارات ومحاولة تغيير الواقع الموجود فيها، وهذا مايتوقعه الملك عبد الله في
الاردن عندما صرح الى الصحفي الأمريكي جفري جولدبيرج من مجلة «ذي اتلانتك» حيث
اشار بتوقعاته عن مستقبل وانحسار الملوكيات العربية في المستقبل وفي ظل الربيع
العربي في المنطقة والتغيير هو تحصيل حاصل عن مايحدث وما هو جاري في المنطقة
حالياً وهو مسالة وقت ليس إلا.
نعم تعرض الاخوان لكثير من الاضطهاد في العهد الناصري. وعلى اثرها
هاجر الإخوان وفروا من مصر إلى دول الخليج بعد تعرضهم لمضايقات شديده وتعسفية من
قبل النظام الناصري، وتوسط الملك سعود عند الزعيم جمال عبد الناصر في أزمة الإخوان
دون جدوى كما تعرض الاخوان الى حملة اخرى في عهد الرئيس السادات «برغم ما تعتبر
فترة السادات فترة الانفراج السياسي للاخوان قبل عملية كامب ديفد» هذه المضايقات
كانت احدى اسباب عملية انتشار وتوزيع الاخوان في دول الخليج كالكويت والبحرين
والامارات
تاريخ الاخوان في الخليج: تعتقد بعض المصادر ان جماعة الاخوان بعد
اعقاب احداث النكسة لعام 1967 بدءت ترسم خططها وفق المتغيرات السياسية الكبيرة لكن
انحسر وهجهم بعد هذه الفترة وسيطرت التيارات القومية واليسارية حتى تأق ظهورهم مرة
اخرى عقب انتصار الثورة الاسلامية وتوقيع اتفاقية كامب ديفد التي ادت الى اغتيال
السادات فكان لهذين الحدثين الصعود الاكبر لوهجهم اضافة الى الغزو السوفيتي
لأفغانستان ثم حرب الشيشان حتى جاءت احداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على
افغانستان. هذه الاحداث أثرت تأثيراً كبيراَ على جلب الشباب في الخليج والاردن
وسورية لكن كان لجماعة الاخوان في مصر المحرك والمؤثر الاكبر على جلب الشباب وحتى
على باقي التنظيمات الاسلامية الاخرى التي تشترك معها في نفس المذهب.
اما تاريخ الاخوان في المملكة السعودية: فمنذ الخمسينات كانت
السعودية تضخ الأموال الطائلة لدعم حركة الإخوان، وأطلقت عمليات سرية للإطاحة
بالحكومة السورية الموالية لمصر، وكذلك محاولات أخرى لاغتيال عبدالناصر، وأخيراً
احتضان جماعة الإخوان المصريين بهدف تشكيل ملاذ آمن لهم من عبدالناصر.
شارك في هذا الوجود وبحسب بعض المصادر الولايات المتحدة ومنذ
الرئيس آيزنهور فالولايات المتحدة استغلت الدين الإسلامي كحصن ضد الشيوعية، في
المنطقة العربية والاسلامية ورأت في المملكة افضل مكان تستطيع ان تستفيد منه
للتعبئة الدعائيه ضد الشيوعية والاستفادة من الاخوان
السعودية آوت الجماعة لكن في نفس الوقت كانت المملكة ترفض أن
يقوموا بأية اعمال داخل المملكة فالاخوان لديهم خطاب سياسي ديني يتعارض مع
ايديولجية المذهب الوهابي. وهذا امر يمثل تهديدا للحكومة فأسرة آل سعود تتمتع
بشرعية معينة بخصوصية المذهب الوهابي ومن القرن الثامن عشر تمتعت الاسرة بعلاقات
قوية مع رجال دين المذهب الوهابي.
وهذا ما دفع بالإخوان إلى التحول إلى اعمال اخرى مثل التجارة
وإنشاء البنوك الإسلامية ودخول المجال الأكاديمي كأساتذة في الجامعات في مرحلة
الستينات بعد انشاء جامعتي المدينة وجامعة الملك عبدالعزيز، في خطوة لمنافسة جامعة
الأزهر المصرية وإغراء الطلبة المسلمين من مختلف الجنسيات القدوم إلى السعودية
للدراسة بدلاً من الأزهر.
تشير المصادر منذ النشأة واللبنة الاولى للتأسيس وفي ايام مرشدهم
حسن البنا كان الاخوان ينظرون الى الارض السعودية بالمرتع الدافيء لنشر حركتهم لكن
احلامهم لم تتحقق عندما طلب البنا اثناء حراكه السياسي في مواسم الحج عام 1936
الملك عبدالعزيز إنشاء فرع للإخوان المسلمين في السعودية، فرفض الملك بدبلوماسية
قائلًا: كلنا إخوان مسلمون! وقد رفضت كل الطلبات المشابهة، إلا أن الإخوان تواجدوا
كتيار فكري، وكأفراد تمتعوا بنفوذ كبير داخل المملكة في مراحل تاريخية لاحقة،
وعلاقة جيدة، لم يتعكر صفوها وبحسب بعض التقارير إلا بعد الثورة اليمنية التي
تمايزت فيها مواقف الإخوان والسعودية، فموقف الإخوان كان مساندا لثورة اليمن،
بينما وقف الملك عبدالعزيز آل سعود ضدها، وألقى هذا الموقف بظلاله سلبا على
العلاقة بين الطرفين. هذه إحدى المحطات التي ساد فيها التوتر بين المملكة والإخوان
كثيرة هي المتغيرات الحاصلة في مصر. الان يسيطر في قمة الهرم
المصري حكم جديد يعتبر دخيلا على مجتمعاتها حكم اخواني يختلف في نهجه وأيديولوجيته
عن فكر المملكة ووهابية المذهب المسيطر فيها وباقي دول الخليج. فكر متهم بإمتلاك
مشروع سياسي ممنهج للتصدير على غرار فكر الثورة الإسلامية في ايران ومفهوم ولاية
الفقيه والولاء للولي الفقيه، فكر الجماعة متهم من قبل حكام وملوك الخليج بولائه
للحزب والمرشد قبل ولاءه للوطن وهذا ما ينافي وبحسب أدبياتهم معتقدات الإسلام الذي
يخلو من الأحزاب والعمل والولاء لأجلها.
هناك اسباب سياسية اخرى تقلق الخليج منها الغزل الناعم بين الجماعة
وايران وآخرها السماح بدخول السياح المصريين ايران بدون تاشيرة جاءت هذه الخطوة
بعد مرور يوم واحد على تسيير أول رحلة طيران بين القاهرة وطهران منذ الثورة
الإسلامية الإيرانية قبل 34 عاماَ. كما ان ايران وبرغم الظروف المالية الصعبة التي
تمر بها نتيجة ملفها النووي تحاول ان تفك من عزلتها الدولية والتقرب الى مصر كداعم
مالي بديل عن الفراغ الحاصل عن من يتحفظ بدعم اقتصادها بحجة عدم وجود الرؤى
الواضحة في سياسة الاخوان المتبعة حالياً.
هناك من يتسائل هل فعلا التغير الحاصل في مصر وخلع الرئيس حسني
مبارك شيء سيء للغاية كما وصف ذلك السفير الامريكي السايق لدى السعودية؟ ام ان
الضرورة الاستراتيجية والامنية والمالية ستجبر الأطراف كلها الى القبول بالواقع
المتغير خوفاً من الاسوء القادم وتداركاً لما قد يتوقعه البعض من انحسار نظام
الملكيات والامارات؟ كما انه بإمكان كل من المملكة ومصر بإعتبارهما دولتان تملكان
قوة المال والعدد والثقافة اذا تجاوزتا الخلافات وتعتبرهما سحابة صيف فعلاَ تستطيعان
ان تكوّنان قوة نوعية تملك ثقلاَ ووزناَ كبيراَ داخل الدول العربية لهما تأثيرهما
الفعال والإيجابي بشكل يبتعد عن التقوقع الطائفي لإحتضان الدول التي تتواجد فيها
الاحترابات الداخلية والسعي الى استقراراها خاصة في العراق وسورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق