الجمعة، 28 يوليو 2017

حدوتة الحب الخالد رادوبيس الفرعونية التي نقلها الفرنسي شارل بيرو في رواية سندريلا

هشام بكر
إذا ابتعد المرء لمسافة أربعين مرحلة عن مدينة (منف) ، فسوف يصل إلى هضبة تقف عليها أهرامات عديدة ، وهي مقابر ملكية .
وثلاثٌ منها جديرة بالذكر ، بينها اثنان يعتبران واحدة من عجائب الدنيا السبع .. وهما يقفان بجوار بعضهما البعض .
وعلى مسافة منهما وعلى مرتفع عالٍ في الصحراء شُيد الهرم الثالث  (هرم منقرع) ويُروى أن هذا الهرم هو مقبرة بناها حبيب لمحبوبته .. (رادوبيس).
التي نروي قصتها والتي نقلها الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بيرو (1628 – 1703 م)وصارت من أشهر قصص الحب الخالدة .
وهي قصة الجميلة رادوبي او (رادوبيس):وهى نموذج لأدب القصة فى الدولة الحديثة، وقد وردت ضمن برديات شستربيتى بالمتحف البريطانى,وبرديات شستربيتى هذه قد وجدت فى مقبرة " قن حرخبشف " والذي عاش فى عصر الأسرة التاسعة عشرة.
أبطال القصة هم رادوبيس، ووالدها التاجر سنفرو وأم رادوبيس، وزوجة أبيها وبناتها ـ بعد وفاة والدة رادوبيس ـ والملك العاشق.
تدور الإحداث في مدينة منف حيث كان يعيش تاجر ثرى (سنوفر)في قصره مع زوجته وابنته رادوبيس في مدينة (ناوكراتيس)وتصاب الام بمرض خطير وقبل موتها تهدي ابنتها صندوقا به حذاء نفيس من جلد الغزال الذهبي وتشير إليها الى انه سوف سيكون سببا في حظها .


-استمعي إليّ جيدا يا رادوبيس.
-ماذا يا أماه؟
-لقد دعتني الآلهة يا بنيتي لأعد نفسى للرحيل إلى العالم الآخر، حيث أكون في انتظاركم لنلتقي مرة أخرى، ولن أتمكن من رؤية ملاكي الصغير أجمل العرائس في منف كلها. لن أراكِ وأنتِ تُزفين إلى قصر زوجك.
-لا تُكملي يا أماه. سوف تعود إليكِ صحتكِ بعدما يأتي أبي بالكاهن لعلاجك.
-دعيني أُكمل يا رادوبيس. إن أباك لا يزال في عنفوان شبابه وقد أنبأني إحساسى بأن أباك سنفرو سوف يتزوج من امرأة أخرى تحل محلي هنا. وسوف تُنجب فتيات، وجمالك يا بنيتي سوف يكون مصدر غيرة الجميع منك وحقدهم عليك.
- ماذا تقولين يا أماه؟
-أنصتي يا رادوبيس، سوف تتعرضين للحقد والاضطهاد، وليس عليك إلا الصبر والإيمان بالإله وهو وحده الذي سيحميك.

-ماذا تفعلين يا أماه؟
-تحت هذه الوسادة صندوق. أعطني إياه، فأنا لا أستطيع الوصول إليه.
-ها هو.
-إنه صندوق من خشب الصندل المطعم بالذهب والأحجار الكريمة. ولابد يا رادوبيس أن تحتفظى به في مكان أمين، فهذا يا بنيتى صندوق الحلي الخاص بي الذي ورثته عن أجدادي، ومن بين الحلي الموجود فيه، قلادة حتحور التي سوف تحفظ لك جمالك وتحميك من العين والغدر. إليك الصندوق بأكمله، ولا تعيري أي شيء منه لأحد ولا تضعي القلادة على صدرك إلا يوم الزفاف في معبد حتحور إلهة الجمال. وإليك هذا أيضا..
-ما هذا يا أماه؟
-إنه صندوق مصنوع من خشب الأبنوس المطعم بالفضة وهو يحتوي على حذاء نفيس لا يوجد له مثيل في البلاد. وهو مصنوع من جلد الغزال الذهبى اللون والمطرز بخيوط الذهب والأحجار الكريمة. انظري.
-إنه رائع حقا يا أماه.
-ليست قيمته في جماله فحسب يا رادوبيس.
-وهل هناك شيء آخر؟
-نعم. هناك ميزة أخرى.
-وما هي؟
-هذا الحذاء لن يتسع لقدم أي فتاة سواك، كما أنه سيكون مصدر حظ عظيم لك في مستقبلك. حافظي عليه وضعيه في مكان أمين لا تراه عين ولا تمتد إليه يد.
-إنه ساحر حقا يا أماه. سوف أجربه الآن.

-لا.. لا.. لم يحن الوقت بعد يا بنيتى، سوف ترتدين الحذاء عندما يحين الوقت الذي تحدده لك الآلهة.

ثم تزوج الأب من امرأة أخري أنجبت بنتين اقل جمالا من رادوبيس التي عوملت منهن معاملة سيئة..وفي احد أعياد الربيع يعلن أن ابن الملك سوف يختار عروسا من فتيات منف الجميلات ..
وذهبت أختاها إلى الحفل ورفضت زوجة أبيها اصطحابها وشعرت رادوبيس بالرغبة في التنزه ثم فتحت الصندوق الذي يوجد به حذاء أمها وأرادت ارتداؤه فهالها قذارة قدميها ،فذهبت لغسلهما فأذا بنسر ينقض ليخطف إحدى فردتي الحذاء ويحلق بعيدا وحمله إلى (منف)
حتى مر بمكان المهرجان فأفزعته الطبول فسقط منه الحذاء حجرالملك وفرعون مصر  بينما كان في هذه الأثناء جالساً في البستان الذي أعجبه الحذاء الرقيق والأحجار الكريمة التي رصعته وإذا به يتخيل صاحبته وشعر انه اختار صاحبة هذا الحذاء


وتمر الأيام وهو يزور البيوت والقصور للبحث وتدعوه زوجة والد رادوبيس لتعرض عليه ابنتيها اللتين تقيسان الحذاء فلا يلائمهما ثم يلمح الملك رادوبيس وتخبره زوجة أباها أنها ابنة البستاني فيخرج إليها الملك ويطلب منها أن تقيس الحذاء فاذا به نفس مقاسها وتذهب رادوبيس وتحضر الفردة الأخرى لتثبت انها سيدة القصر ثم تتم القصة بأن يتزوجها الملك وبعد وفاتها حصلت على هذه المقبرة (هرم منقرع) .

أسطورة رادوبيس الفرعونية، وقد وردت ضمن برديات شستربيتي بالمتحف البريطاني. 
الأسطورة المصرية التي سجلها المؤرخ والفيلسوف اليوناني سترابو (63 ق.م - 24 م)، أصبحت فيما بعد حجر الأساس لقصة سندريلا الشعبية التي سجلها الكاتب والشاعر الفرنسي شارل بيرو (1628 – 1703 م). وهو الأديب الذي صنع الشهرة لنوع حديث وقتها في الكتابة الأدبية، يسمى بالـ Fairy tale أو حكاية خرافية إذا أردنا ترجمة المعنى. وهو نوع يقتبس العديد من عناصر الأجواء الأسطورية للتراث القديم، مثل ألف ليلة وحكايات إيسوب والأساطير الإغريقية، في اطار أكثر بساطة وبراءة ملائم للأطفال.
من أشهر القصص والحواديت الخرافية المتداولة الأخرى في أوروبا التي أعاد تسجيلها بقلمه (اللحية الزرقاء - الجمال النائم - عقلة الإصبع). ولا يضاهي بيرو الفرنسي في الشهرة ربما في هذه الجزئية سوى الأخوين جريم من ألمانيا. يعقوب جريم (1785-1863 م) وفيلهالم جريم (1786-1859 م). الثنائي الذي طاف ألمانيا، وقام بتجميع وصياغة مئات من القصص الخرافية الأخرى المهمة مثل (بياض الثلج والأقزام السبعة - ذات الرداء الأحمر - ريبونزل).
من الجدير بالذكر هنا بمناسبة سندريلا الفرعونية وإعادة صياغة التراث القصصي الشعبي عالميا، أن العظيم نجيب محفوظ أعاد صياغة رادوبيس أيضا كرواية ضمن ثلاثية تاريخية كتبها في مطلع حياته العملية، مع عبث الأقدار وكفاح طيبة. وإن كانت نسخة نجيب محفوظ تميّزت بأبعاد وإسقاطات سياسية وفلسفية أكثر جدية وأكثر ارتباطا بزمنها (الأربعينات).


سندريلا  في مارس 2015 عنوان فيلم جديد من إنتاج والت ديزني يكتسح شباك التذاكر عالميا،وتماما مثل سندريلا صاحبة المنزل والمكان التي حبستها وانتزعت حقوقها زوجة الأب القاسية الدخيلة على المنزل، ظلت قصة رادوبيس الفرعونية أيضًا سجينة لمن لا يطيقون كلمة (حضارة فرعونية). ولا يطيقون الحضارات والآثار من أي نوع بصفة عامة.

ليست هناك تعليقات: