زواج السترة
ونبدأ رحلة البحث عن المتاعب لاقتحام أوكار ومكاتب زواج السترة،
حيث كانت البداية من مدينة 6 أكتوبر، والتي تعد مدينة اللاجئين السوريين، والتي تضم
شبكة شبه منظمة لإدارة عملية زواج اللاجئات السوريات من المصريين مقابل الحصول على
عمولة أو سمسرة أو ما يطلقون عليه «أتعاب» الزواج مبررين عملهم بأنه «سترة» للفتيات
السوريات.
تقول منى المالحى 32 سنه أرملة من ريف دمشق: هربت أنا وأسرتي من
جحيم الموت وألسنة الأسلحة الكيماوية التي يطلقها علينا جنود بشار الأسد ليل نهار وأثناء
هروبنا من ريف دمش خرجت علينا عصابات و"شبيحة" الأسد وقاموا بخطف جميع الرجال
والشباب الذين كانوا معنا تحت تهديد السلاح رغم أنهم كانوا عزل لا يحملون أي نوع من
أنواع الأسلحة سوى أطفالنا الصغار وملابسنا فقط ولكنهم لم يرحموهم ومن قاومهم قاموا
بقتله أمام أعييننا وكان زوجي أول من استشهد أمام عيني لمجرد أنه اعترض جنود بشار وطلب
منهم أن يأذنوا لنا بالرحيل.
وأضافت المالحي، لم يكتفوا بقتل زوجي بل قاموا بسحب جثته على الأرض
وساروا به لأكثر من مائة متر وهم يمثلون بجثته أمام أبنائه وأمه وأخوته، وبعد أن طاردونا
بالأسلحة الحية اضطررنا للفرار منهم متجهين إلى مصر بلد الأمن والأمان، وبعد رحلة شديدة
من التعب والعناء دامت نحو شهر تقريبًا، وصلنا إلى مدينة 6 أكتوبر التي استقررنا بها
بعد أن فقدنا معظم شبابنا وأزواجنا وذوينا تقريبًا، ونظرًا لأننا وصلنا إلى مصر لا
نملك أي شيء توجهنا إلى الجمعية الشرعية بمدينة 6 أكتوبر طلبًا في المساعدة، وتعرفت
في الجمعية على سيدة سورية تدعى "سوزان" ومعها صديقة مصرية تدعى "أنوار"
وعرضوا علي الزواج من رجل مصري مقابل أن يوفر لي منزلًا ويتكفل بكل مطالبي ومصروفات
إعاشتي، وأن يتحمل كافة أعباء الحياة الزوجية، بشرط التنازل عن المهر ومؤخر الصداق،
وهو عرف مصري وإسلامي قديم يعجز المصريين عن الزواج، ولكني رفضت في بداية الأمر تقديرًا
ووفاءً لزوجي ولكني تحت ضغط وإلحاح وإغراءات سوزان وصديقتها وتحت ضغط ظروف الحياة الصعبة
في مصر اضطررت لقبول العرض، وبالفعل تزوجت على سنة الله ورسوله من شاب يبلغ من العمر
40 سنة بعد أن وفر لي شقة وخصص لي مصروفًا شخصيًا ألف جنيه شهريًا، وأنا الآن أعيش
معه بدون أي مشاكل وهو يعامل أسرتي وأولادي معاملة طيبة جدًا، ويحاول بكل أمانة أن
يسترضيني أنا وأولادي.
عريس سعودى
أما "سناء" 29 سنة فلها رأي آخر، حيث ترى أن زواج المصريين
من السوريات هو استغلال لظروفهن وتؤكد أنها وقعت ضحية لهذا الزواج غير الشرعي من وجهة
نظرها، حيث تقول بعد أن طالت قذائف عناصر النظام السوري منزلي في حمص، هربت إلى مصر
مع أختيها الاثنتين بعد أن أقنعتها أسرة سورية بالانضمام للعيش معها وتوفير وظائف مناسبة
لنا.
وتضيف، بمجرد أن وطأت قدماي محافظة القاهرة، بدأت رحلة البحث عن
وظيفة، بينما كانت تقوم الأسرة السورية بمهمتها في البحث عن عريس مناسب لي ولشقيقتي،
ولكني رفضت الفكرة في بادئ الأمر، وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل في الحصول على وظيفة،
وبعد أن فشلت في توزيع عينات من الأكل السوري في القاهرة وبعد أن تقدمت لوظيفة في روضة
أطفال مقابل 500 جنيه مصري، وبعد أن شعرت أن صاحب المكان يتاجر بقضيتي ويشحذ علىّ،
لذلك كان الحل الوحيد أمامي هو قبول فكرة الزواج من الشاب السعودي رغم علمي أن السلطات
السعودية ترفض التصديق حاليًا على عقود الزواج الخاصة بالسعوديين من أجانب.
وتضيف «سناء» التي غلبتها دموعها وهي تروي تجربتها بعد أن تنازلت
عن جميع حقوقها مقابل تسلم ورقة الطلاق للعريس السعودي: «قبلت الزواج من رجل أعمال
سعودي، لديه قرية سياحية، عرفتنى عليه الأسرة السورية، وتغاضيت عن كل حقوقي مقابل وعده
لي بالرجوع مرة أخرى لوطني، وبعد زواجنا اختلفت طريقة معاملته لي وكأنني جارية اشتراها
بثمن بخس، فرفضت المعاملة بهذا الشكل واعترضت، فبدأ يضربني ويحرقني ويشوه جسمي».
فلم أتحمل الإهانة التي تعرضت لها وقررت الهروب إلى 6 أكتوبر وفوجئت
بنفس الأسرة السورية تعرض علي حل الأزمة مع رجل الأعمال السعودي مقابل التنازل عن جميع
حقوقي والموافقة على العريس الجديد الذي رشحته لي، وهو شاب مصري يعمل دكتورًا ولكني
رفضت العرض، وما زلت أعيش بين نيران الجوع والتشرد والتسول ونيران العريس الذي تطاردني
به الخاطبة "سوزان".
عريس لجنة الإغاثة
أما عبير فواز 34 عامًا، فأكدت أن رحلتها مع زواج السترة بدأت منذ
قدومها مصر وتحديدًا من لجنة الإغاثة حيث قالت: اتجهت إلى لجنة الإغاثة لمساعدتي في
الحصول على تبرعات شهرية، ولكني فوجئت بعدد من عروض الزواج الكثيرة التي قدمتها لي
اللجنة، مضيفة، استضافتني صديقة مصرية في منزلها لحين حل مشكلتي مع الإغاثة، ولكني
كلما اتصلت باللجنة اكتشفت أن بعض أعضائها يحاول إقناعي بضرورة الزواج من مصري بدلًا
من العيش وحيدة، ولكنني كنت أرفض الزواج وأستغرب إصرارها على إقناعي ونحن في حالة حرب.
وأضافت بعد فشل محاولات لجنة الإغاثة إقناعي بالزواج من شباب مصري،
كان الحل الآخر الذي وضعوه أمامي هو توفير وظيفة لي مع أحد المسئولين عن جمع التبرعات
للجيش الحر، مقابل 100 دولار ولكني رفضت كل العروض وكل الإغراءات وقلت لكل من قدم لي
عروض الزواج المغرية أن بلادنا في حالة حرب وأنني لن أقبل الزواج أو العرس إلا بعد
تحرير بلادي من أذناب بشار الأسد.
وتقول منار زنان سورية 33 عامًا إحدى السوريات المقيمات بمصر إن
مشكلة زواج السوريات من مصريين تفاقمت، وأصبحت ظاهرة غير مرغوب فيها بالمرة، وما يحدث
هو استغلال لظروف الفتيات السوريات الاقتصادية، وأحوالهن المعيشية المتردية".
وأضافت "المشكلة بدأت منذ أن نزحت العائلات السورية إلى مصر
كلاجئين، فتلقفتنا السلطات المصرية، ووضعتنا في "مساكن" بطريق الواحات بمدينة
6 أكتوبر، وهذه الأماكن غير آدمية، وتتعرض فيها الأسر للمساومة على تزويج بناتهن من
قبل العاطلين والبلطجية، أو المشايخ السلفيين الذين كانوا يأتون لمساعدتنا ماديًا ومعنويًا
ويقومون بحمايتنا وكان أغلبهم يعرض علينا الزواج بحجة حمايتنا وتحصين نسائنا، وهو الأمر
الذي اضطررنا للهروب من هذه المساكن إلى مدينة 6 أكتوبر.
وأشارت إلى أن أكثر العوامل التي أدت إلى تفاقم الأزمة هو فتوى بعض
الشيوخ السلفيين الذين توافدوا على بيوت العائلات السورية، ونصحوهم بتزويج بناتهم من
أجل "الستر" وبحجة أن ظروفهم المعيشية سيئة، مضيفة أن المهور التي تدفع في
مثل هذه الزيجات قليلة ولا تتعدى خمسة آلاف جنيه.
مهر منار
أما منار الزايدي 48 سنة من سوريا فقد أكدت، أنها متزوجة من مصري
منذ 25 عامًا، وقد دفع فيها مهرًا تعدى مائة ألف جنيه، وأكرمها ولم يتزوج عليها، مضيفة
أن هناك فتيات سوريات أقدمن على الانتحار لما يرونه من هدر لكرامتهن بهذا الزواج المهين.
وأضافت، ليست كل الزيجات واحدة وليس كل الشباب المصري واحد وليست
كل الفتيات السوريات واحدة، ولقد تابعت عددًا من الزيجات لسوريات من مصريين خلال شهر
واحد وقد ذهبت إلى أسرهن للتحدث معهم وإقناعهم بعدم التمادي في هذه الزيجات خاصة أن
عقود الزواج لم توثق رسميًا، بل كانت عقودًا عرفية مما يجعل الأمر يمثل خطورة فيما
بعد عند إنجاب الأطفال، مؤكدة أن هذه الزيجات تتم بعد تدخل سماسرة بين العائلات السورية
وبين المصريين الراغبين في الزواج من سوريات، مضيفًا أن هذه الزيجات هي للمتعة فقط،
لذلك فهي لا تستمر، ويتم الطلاق سريعًا.
وأكدت أن السماسرة يستهدفون العائلات السورية الفقيرة، والتي ليس
لها عائل، مشيرة إلى أن هناك مصريين يتبرعون في البداية ببيوت ومؤن لهذه العائلات،
ثم يطلبن منهن الزواج بعد ذلك.
وقالت يسرا منصور وهي إحدى الفتيات السوريات اللاجئات اللاتي تزوجن
من مصري، أنها جاءت إلى مصر مع عائلتها المكونة من أربعة أفراد عقب الثورة السورية
بشهرين، وأقاموا في مدينة السادس من أكتوبر، وتم عرض الزواج عليها من شيخ بأحد المساجد
القريبة من المنطقة التي تعيش بها، وقد رآها في محل البقالة الذي كانت تعمل به، لمساعدة
أسرتها، ثم تفاجأت به في بيتها في اليوم الثاني.
وأضافت، في البداية ترددت عن قبول الزواج لأنه يكبرني بـ 15 عامًا،
ولكن عائلتي ضغطت علي، نظرًا لظروفنا المعيشية المتدهورة، مشيرة إلى أنها قبلت الزواج
به على مضض، وأنه دفع لأهلها مهرًا لم يتجاوز 3 آلاف جنيه مصري، وأحضر لها خاتمًا ذهبيًا.
وأشارت يسرا إلى أنها منذ اليوم الأول لزواجها الذى لم توثق أوراقه،
اكتشفت أنها الزوجة الثالثة، ولهذا ثارت وغضبت، وطلبت الطلاق، وبالفعل تم تطليقي، وانتقلت
للإقامة فى منطقة أخرى مع أسرتي وما زالت أرفض أي عرض للزواج، وتطالب سارة بتدخل السلطات
المصرية لحماية السوريات من هؤلاء السماسرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق