يزيد صعود تنظيم الدولة الإسلامية في
سوريا والعراق من تعقيدات العلاقة التي يحكمها التناقض (في الظاهر) بين
حركة حماس والمجموعات السلفية الجهادية في كل من قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء
في مصر. ففي الحين الذي تلمس فيه علاقات متشنجة بين حماس والمجموعات
السلفية الجهادية التي تتخذ من غزة مقرا لها، تؤكد تقارير إخبارية أن حركة
حماس تتعاون مع فصائل مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية داعش في سيناء لنقل
السلاح إلى غزة.
وسط الأوضاع الاقتصادية الصعبة، بحسب التقارير، تتخوف حماس من أن تولد رغبتها في الحفاظ على وقف إطلاق النار مع إسرائيل ردة فعل قوية ضدها. وتخشى بشكل خاص من إمكانية حدوث انشقاقات داخل جناحها المسلح، أو داخل الأجهزة الأمنية في غزة، وتوجُّه المنشقّين إلى المعسكر السلفي الجهادي. فالأمر حسب مراقبين يعود عند الشدة السياسية إلى الأصول الفكرية والعقدية الأولى للتنظيمات الإسلامية، وهو التضامن بينها مهما كانت درجة تشددها، فحماس سليلة الإخوان، والتنظيمات الجهادية أيضا سليلة الإخوان المسلمين في مرحلتها “القطبية”.
ونتيجة لذلك، وفي حين أنه ليست لدى حماس مصلحة في السماح لمعسكر مستلهَم من تنظيم داعش بالعمل في غزة، والدليل على ذلك حملتها للقضاء على الخلايا التي أعلنت ولاءها للدولة الإسلامية في ربيع 2015، إلا أنها أظهرت قدرا أكبر من ضبط النفس في الأشهر الأخيرة، فكلما حوصرت الحركة سياسيا
تحولت في سلوكها إلى الجهادية الأولى كردة فعل “غريزية”.
إن العلاقة بين حماس والجهاديين الذين يتخذون من سيناء مقرا لهم تعد أكثر تعقيدا، إذ تقيم كتائب القسام، منذ وقت طويل، علاقات تنظيمية وأيديولوجية واقتصادية أيضا ذات منفعة متبادلة مع شادي المنيعي وهو أحد قياديي تنظيم “ولاية سيناء” التابع لداعش، ومقاتلين مصريين آخرين في شبه الجزيرة. فهذه العلاقة تعتبر منطقية عندما كان المنيعي يعمل في التهريب، وعندما ساعد على تأسيس جماعة أنصار بيت المقدس الجهادية التي تتخذ من سيناء مقرا لها، أصبحت العلاقة أكثر من مجرد المساعدة على التنفيس الاقتصادي، بل هي بالأساس وقبل كل شيء علاقة عضوية بين تنظيمات إسلامية.
عند الشدة السياسية تعود حماس إلى الأصولية الفكرية والعقدية الأولى للإسلام السياسي وهو التطرف
واستمرت الروابط والاتصالات الاقتصادية، ذات المنفعة المتبادلة أيضا، عندما انضم تنظيم المنيعي إلى صفوف داعش في نوفمبر 2014، ما يغذي الزعم بأن حماس تتعاون فعلا مع الدولة الإسلامية. وتتجنب حماس في أكثر من مناسبة الدخول في عداوة مع تنظيم ولاية سيناء الذي يملك إمكانات أكثر تطورا إلى حد كبير، فتأمين الحماية للقياديين المتشددين في محافظة سيناء، أو على الأقل الموافقة على وجودهم في غزة، يسمح لأجهزة الاستخبارات التابعة لحركة حماس بأن تكون على علم بأماكن تواجدهم في حال حدوث متاعب.
هذه الروابط تؤدي أيضا إلى التعاون لأغراض محدّدة، وبحسب مصادر استخباراتية مصرية، تبيع كتائب القسام الأسلحة أو تؤمّن الأسلحة والتدريب لمقاتلين على صلة بتنظيم داعش بهدف ضمان أمن الممر عبر الأنفاق التي تشكل «شريان الحياة» بالنسبة إليها.
وفي الظاهر، يبدو تعاون حماس مع مجموعات على ارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية أو مستلهمة منه كأنصار بيت المقدس وغيرها، غير منطقي: فحماس حركة على ارتباط بالإخوان المسلمين تحتاج إلى علاقات طيّبة مع النظام المصري وإلى الاستقرار والهدوء مع إسرائيل، في حين أن الدولة الإسلامية تهدّد إسرائيل بصورة منتظمة على الأٌقل في الظاهر لتكسب امتدادا جماهيريا بين الشباب المقدم على تبني فكرها المتطرف، وتسخر من الإخوان المسلمين في ذات الحين لأن الإخوان حركة «ليبرالية» في نظرهم وتؤمن بالديمقراطية والانتخابات وغيرها. بيد أن ديناميات السلطة والاقتصاد الداخلية في غزة تفسّر طبيعة هذه العلاقة التي تبدو غير منطقية لكنها مؤاتية في المدى المؤقت وتُحركها الاعتبارات الاقتصادية.
ولكن تبقى الارتباطات الأيديولوجية الأولى التي تجمع بين الحركة الإسلامية حماس وبين تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية والمحيطين به هي المبرر الباطني لتلك التنظيمات في الاصطفاف وراء بعضها والتعاون بغض النظر عن نتائج ذلك التعاون الذي سوف يؤدي حتما إلى استهداف الجيش المصري أو أرواح المدنيين.
المصدر : الكرامة برس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق