السبت، 1 يونيو 2013

قراءة في كتاب "هجوم على العقل" لـ آل جور .. حرب العراق واحدة من أبرز صور التضليل في تاريخ الولايات المتحدة هشام بكر



يقول آل جور عبر كتابه "هجوم على العقل"، إن التضليل الذي يحدث في عملية صنع القرار داخل الولايات المتحدة، نتيجة سياسات الخوف والسرية والثقة العمياء، وهو الشيء الذي أدى، حسبما يقول جور إلى الهبوط بمستوى الديمقراطية وتعرض أميركا والعالم للخطر
في بداية الكتاب، يعود جور إلى قواعد الديمقراطية وتبادل الأفكار أو ما يعرف بـ "سوق الأفكار" التي اعتمدها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، والتي ساعدت على إبراز النموذج الديمقراطي الأمثل الذي أذهل العالم وجعله مبهوراً، حين بدأ يطل على سكان الأرض مع بدايات القرن العشرين
يقول آل جور عبر كتابه "هجوم على العقل"، إن التضليل الذي يحدث في عملية صنع القرار داخل الولايات المتحدة، نتيجة سياسات الخوف والسرية والثقة العمياء، وهو الشيء الذي أدى، حسبما يقول جور إلى الهبوط بمستوى الديمقراطية وتعرض أميركا والعالم للخطر
في بداية الكتاب، يعود جور إلى قواعد الديمقراطية وتبادل الأفكار أو ما يعرف بـ "سوق الأفكار" التي اعتمدها المؤسسون الأوائل للولايات المتحدة، والتي ساعدت على إبراز النموذج الديمقراطي الأمثل الذي أذهل العالم وجعله مبهوراً، حين بدأ يطل على سكان الأرض مع بدايات القرن العشرين

وهذه القواعد يحددها آل جور في:


1- كانت سوق الأفكار مفتوحة لكل فرد دون أي موانع للدخول سوى شرط الإلمام بالقراءة والكتابة، وكان للجميع القدرة على “المشاركة” بالمعلومات المباشرة في نهر الأفكار الذي كان متاحاً للجميع.
2- مصير الأفكار المقدمة من الأفراد يعتمد على مدى استحقاق الأفكار المتاحة وجدارتها، دون النظر إلى ثروة الفرد المسؤول عنها أو طبقته.

3- تفترض قواعد الخطاب المقبول أن يحكم المشاركين جميعاً اتفاق ضمني على السعي إلى تحقيق موافقة جماعية، وهذا ما يعتبره آل جور هدفاً لـ”حوار الديمقراطية”.

وهذه القواعد تعرف بـ”ثورة أميركا الديمقراطية” التي نجحت، لأن مؤسسي الولايات المتحدة أدركوا أن الحكومة الذاتية جيدة التصميم، التي يحميها نظام المساءلة والمحاسبة تعتمد على السمات الخاصة بسوق الأفكار، وبشكل أكثر تحديداً على قدرة الشعب الأميركي على إصدار الأحكام العقلانية المفترضة التي حسب المؤسسون حسابها في تخطيطهم.

الوسيط التلفازي

يقارن جور بين تلك القواعد والأخرى التي صارت تحكم الولايات المتحدة اليوم، حيث أصبحت قنوات التدفق الهائل للمعلومات تسير في اتجاه واحد فقط، خاصة بسبب السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة، وعل رأسها التلفاز الذي جعل من المحال على الأفراد المشاركين فيما يفترض أنه حوار قومي، المشاركة ولو بقدر يسير في هذا الحوار، ويؤكد أن الأفراد أصبحوا يستقبلون ولا يمكنهم الإرسال، ويمتصون ولا يمكنهم المشاركة ويسمعون ولا يمكنهم الكلام ويرون حركة مستمرة، لكن لا يمكنهم تحريك أنفسهم، ويزيد في تأكيده على ذلك المعنى فيقول إن “جماعة المواطنين الواعية” تواجه خطر التحول إلى “جمهور مفروغ منه”.

ويلفت جور إلى واحدة من أهم مساوئ الوسيط التلفازي، التي تتنافى مع تقاليد الديمقراطية وتتمثل في ضرورة وجود رأسمال استثماري ضخم لامتلاك محطة تلفازية وتشغيلها، وهو ما أدى إلى تركيز ملكية هذه المحطات في يد عدد محدود من الشركات الكبرى التي تتحكم وبصورة مؤثرة في غالبية أعمال البرمجة التلفازية الأميركية وامتد هذا التحكم إلى البرامج الإخبارية، التي صارت تهتم بتحقيق أهداف تجارية بدلاً من أن تخدم الرأي العام كما هو مفترض.

وأحد الأمثلة الصارخة على الاهتمام بالجانب المادي على حساب الجانب الإخباري الذي يستهدف خدمة وتنوير الرأي العام، ما قامت به شبكة إن بي سي التي خفضت ميزانية قطاع الأخبار كي تحقق أرباحاً واقتطعت 750 مليون دولار، وهذا ما يؤدي إلى التأثير السلبي على العمل الإخباري فتخرج النشرات الإخبارية جوفاء، ويصبح هدفها تحقيق معدلات مشاهدة عالية وبيع إعلانات.

أعداء العقل

ينتقل آل جور إلى الحديث عما يعرف بإعداء العقل، والذين يسعون إلى التأثير عليه بشكل سلبي، محدداً إياهم بالخوف، والتضليل، والثروة، والأكاذيب المحبوكة، والهجوم على الفرد. وبدأ باستعراض ما يمكن وصفه بـ”سياسات الخوف”. يقول إن الخوف أقوى أعداء العقل، والتهديد الذي يفرضه الخوف على العقل، يثير إغراء التنازل عن الحرية مقابل وعد خطابي أجوف بالقوة والأمن، وعندما يحل الخوف محل العقل تكون النتيجة دوماً بغضاً وخلافاً يفتقران إلى العقلانية والمنطق.

ويضيف أنه في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين ظهر عنصر جديد في الحوار القومي الأميركي، وهو بروز الخوف الدائم وحدته، فكان هناك دوماً زعماء يرغبون في إثارة قلق الناس بغية تقديم أنفسهم بوصفهم حماة الخائفين وهذا ما يراه آل جور قمة الغوغائية، أن نعد الناس بالأمن مقابل التنازل عن الحرية.

الخوف السلبي

يوجه جور اتهاما خطيرا للخطاب السياسي الحالي في الولايات المتحدة الذي جعل ثلاثة أرباع الأميركيين يصدقون بكل سهولة أن صدام حسين كان مسؤولاً بصفة شخصية عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وجعل عدداً كبيراً من الأميركيين لا يزالون يصدقون أن معظم مختطفي الطائرات في الحادي عشر من سبتمبر كانوا عراقيين.

كما اتهم الأسلوب الذي تتبعه الديمقراطية الأميركية التي جعلت أكثر من 40% من الأميركيين يقتنعون بمنتهى السهولة بأن العراق لديه أسلحة نووية، حتى بعد ما تم الكشف عن زيف أهم دليل، وهو وثائق سرية تصف محاولة نظام صدام حسين شراء خام اليورانيوم من دولة النيجر.

وهنا يؤكد أن الإدارة الأميركية استخدمت الخوف في التعامل مع العملية السياسية، بالقدر الذي أثر سلبياً على تسيير السياسة الأميركية.

تضليل المؤمنين

يعمد آل جور إلى تحليل الكيفية التي يتم بها تضليل المؤمنين كأحد أعداء العقل الرئيسيين، متناولاً العلاقة بين الإيمان والعقل والخوف، قائلاً إن الخوف يزيح العقل والعقل يتحدى الإيمان والإيمان يغلب الخوف، ويرى أنهم جميعاً ملوكاً لكنهم في مملكة واحدة ويمارس كل منهم سيادته وامتيازاته في وقت معين، ومكان معيّن حسبما تفرضه الظروف من قيود وحدود. ويرى جور أن العقل والإيمان يتعايشان داخل العقل البشري بصورة أسهل من تعايش العقل والخوف، وأن الخوف يعطل التوازن السهل بين العقل والإيمان، خاصة الخوف المنطقي الذي لا يبدده العقل بسهولة.

ويخلص إلى أن ذلك النوع من الخوف، يؤدي إلى ظهور التعصب والإيمان الأعميين، اللذين يندفعان لملأ الفراغ الناجم عن إقصاء العقل، وبالتالي ظهور صور جديدة للسلطة أشد استبداداً. ويلفت إلى أنه لسوء الحظ، فإن التعبيرات الحديثة عن القوة تنبع غالباً من آبار غائرة مسمومة وهي آبار المغالاة في القومية والصراعات الدينية. من هنا سعى الرئيس بوش لإخفاء سياسته لحرب غير معللة تحت عباءة الإيمان الديني، بتصوير غزو العراق على أنه المواجهة الأساسية في صراع طويل بين الخير والشر.

ويرى جور أن تلك واحدة من أبرز صور تضليل المؤمنين التي ظهرت في تاريخ الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار يؤكد أن عقيدة الرئيس بوش الرجعية وليس إيمانه الديني هي مصدر جموده المزعج والدافع الذي جعل يسير في طريق الكوارث العديدة التي جلبها للولايات المتحدة.

سياسات الثروة

يتناول جور عدوا آخر من أعداء العقل وهو سياسات الثروة، مفسراً امتناع العامة عن المشاركة بفاعلية في الحوار المجتمعي نظراً لأنهم صاروا متلقين ولم يعودوا مشاركين في تلك الحوار مثلما كان عليه الحال عند مؤسسي الولايات المتحدة الأوائل، هذا الامتناع أتاح للفاسدين من ذوي الثروات صياغة تلك السياسات بدلاً منهم، ويحدد ذلك بقوله إنه عندما يكتفي الناس بالمشاهدة والاستمتاع ولا يكون لهم دور في الحديث تكون الممارسة الديمقراطية برمتها خادعة.

ويوضح أنه ما دام لدى الناخبين قدرة حقيقية حتى الآن على انتخاب زعمائهم، فليس أمام من يرغبون في شراء السلطة بالثروة، سوى أن يفعلوا ذلك جزئياً عن طريق الإنفاق على توسيع حملات العلاقات العامة في محاولة لصياغة آراء الملايين الذين يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدة التلفاز.

ويبدو الأمر في بعض الأحيان كما لو أن الحديث الديمقراطي يتم فعلاً، لكنه يتدفق في اتجاه واحد بالأساس، من هؤلاء الذين يجمعون مالاً يكفي لشراء الإعلانات التلفازية، إلى أولئك الذين يشاهدون الإعلانات وليس لديهم من وسائل الاتصال المؤثرة في الاتجاه المعاكس إلا قليل.

القوة الغاشمة

بعد التحليل الذي قام به جور لباقي أعداء العقل والمتمثلين في الأكاذيب المحبوكة، والهجوم على الفرد. عمد إلى تحديد الأضرار الناجمة عن الاستبدال المستمر للقوة الغاشمة والفساد المؤسسي بالعقل والمنطق، وتأثيرها السلبي على أهم مرتكزات السياسة الأميركية، وهي الأمن القوي، الأمن البيئي، أمن الطاقة، وحماية الحريات والارتقاء بالمصلحة العامة، لافتاً إلي أنه في كل حالة من هذه الحالات يمكن إيجاد أكثر السبل فعالية لعلاج هذه الأضرار من خلال فهم أعمق لكيفية حدوث الضرر وأسباب حدوثه.

وفي نهاية الكتاب يحاول آل جور تقديم خريطة طريق لاسترداد صحة الديمقراطية الأميركية وصلاحيتها مقترحاً استراتيجية لإعادة تقديم العقل دوره الصحيح في قلب العملية التشاورية لحكم الذات، لافتاً إلى أنه بقدر ما تتمتع به شبكة الإنترنت من إثارة، فإنها لا تزال تفتقر في الوقت الحاضر إلى الخاصية الوحيدة الأشد فاعلية التي يتمتع بها الوسط التلفازي، لأنها بسبب أسلوب بنائها وتصميمها لا تصلح لأن تكون وسيلة لنقل أفلام الفيديو بالحركة الطبيعية والزمن الحقيقي كما ينقلها التلفاز، ويسعى جور أيضاً إلى بحث هذا العيب المؤقت لشبكة الإنترنت محاولاً استكشاف مواطن القوة العديدة التي تجعلها مصدراً للأمل بالنسبة إلى مستقبل الديمقراطية.

ليست هناك تعليقات: